ذكر عدة حوادث .
بالموصل ، وديار في هذه السنة ليلة الأحد العشرين من صفر ، زلزلت الأرض الجزيرة والعراق ، وغيرها زلزلة متوسطة .
بالموصل ، وديار الجزيرة جميعها ، فأكل الناس الميتة ، والكلاب والسنانير بعد أن كانت كثيرة . ولقد دخلت يوما إلى داري ، فرأيت الجواري يقطعن اللحم ليطبخنه ، فرأيت سنانير استكثرتها فعددتها ، فكانت اثني عشر سنورا ، ورأيت اللحم في هذا الغلاء في الدار وليس عنده من يحفظه من السنانير لعدمها ، وليس بين المرتين كثير . وغلا مع الطعام كل شيء فبيع رطل الشيرج بقيراطين بعد أن كان بنصف قيراط قبل الغلاء ، وأما قبل ذلك فكان كل ستين رطلا بدينار . وفيها اشتد الغلاء
[ ص: 406 ] ومن العجب أن السلق والجزر والشلجم بيع كل خمس أرطال بدرهم ، وبيع البنفسج كل ستة أرطال بدرهم ، وبيع في بعض الأوقات كل سبعة أرطال بدرهم ، وهذا ما لم يسمع بمثله . فإن الدنيا ما زالت قديما وحديثا ، إذا غلت الأسعار ، متى جاء المطر رخصت ، إلا هذه السنة ، فإن الأمطار ما زالت متتابعة من أول الشتاء إلى آخر الربيع ، وكلما جاء المطر غلت الأسعار ، وهذا ما لم يسمع بمثله ، فبلغت الحنطة مكوكا وثلثا بدينار وقيراط ، يكون وزنه خمسة وأربعين رطلا دقيقا بالبغدادي ، وكان الملح مكوك بدرهم ، فصار المكوك بعشرة دراهم ، وكان الأرز مكوك باثني عشر درهما ، فصار المكوك بخمسين درهما ، وكان التمر كل أربعة أرطال وخمسة أرطال بقيراط ، فصار كل رطلين بقيراط .
ومن عجيب ما يحكى أن السكر النادر الأسمر كان كل رطل بدرهم وربع ، وكان السكر الأبلوج المصري النقي كل رطل بدرهمين ، فصار السكر الأسمر كل رطل بثلاثة دراهم ونصف ، والسكر الأبلوج كل رطل بثلاثة دراهم وربع ، وسببه أن الأمراض لما كثرت واشتد الوباء ، قالت النساء : هذه الأمراض باردة ، والسكر الأسمر حار فينفع منها ، والأبلوج بارد يقويها ، وتبعهن الأطباء استمالة لقلوبهن ولجهلهم ، فغلا الأسمر بهذا السبب ، وهذا من الجهل المفرط .
وما زالت الأشياء هكذا إلى أول الصيف ، واشتد الوباء ، وكثر الموت والمرض في الناس ، فكان يحمل على النعش الواحد عدة من الموتى ، فممن مات فيه شيخنا عبد المحسن بن عبد الله الخطيب الطوسي ، خطيب الموصل ، وكان من صالحي المسلمين ، وعمره ثلاث وثمانون سنة وشهورا .
وفيها انخسف القمر ليلة الثلاثاء خامس عشر صفر .
وفيها هرب أمير حاج العراق ، وهو حسام الدين أبو فراس الحلي الكردي الورامي ، وهو ابن أخي الشيخ ورام ، كان عمه من صالحي المسلمين وخيارهم من [ ص: 407 ] أهل الحلة السيفية ، فارق الحاج بين مكة والمدينة وسار إلى مصر .
حكى لي بعض أصدقائه أنه إنما حمله على الهرب كثرة الخرج في الطريق ، وقلة المعونة من الخليفة ، ولما فارق الحاج ، خافوا خوفا شديدا من العرب ، فأمن الله خوفهم ، ولم يذعرهم ذاعر في جميع الطريق ، ووصلوا آمنين ، إلا أن كثيرا من الجمال هلك ، أصابها غدة عظيمة فلم يسلم إلا القليل .
وفيها في آب ، جاء مطر شديد ورعد وبرق ، ودام حتى جرت الأودية ، وامتلأت الطرق بالوحل ، ثم جاء الخبر من العراق والشام ، والجزيرة وديار بكر ، أنه كان عندهم مثله ، ولم يصل إلينا بالموصل أحد إلا وأخبر أن المطر كان عندهم مثله في ذلك التاريخ .
وفيها كان في الشتاء ثلج كثير ، ونزلت بالعراق ، فسمعت أنه نزل في جميع العراق حتى في البصرة ، أما إلى واسط فلا شك فيه ، وأما البصرة فإن الخبر لم يكثر عندنا بنزوله فيها .
قلعة الزعفران من أعمال الموصل ، وهي حصن مشهور يعرف قديما وفيها خربت بدير الزعفران ، وهو على جبل عال قريب من فرشابور .
الهكارية من أعمال الموصل أيضا ، وأضيف عملها وقراها إلى وفيها أيضا خربت قلعة الجديدة من بلد العمادية .
وفيها جلال الدين بن خوارزم شاه من تبريز إلى بلد الكرج قاصدا لأخذ بلادهم واستئصالهم ، وخرجت السنة ولم يبلغنا أنه فعل بهم شيئا ، ونحن نذكر ما فعله بهم سنة ثلاث وعشرين وستمائة إن شاء الله . في ذي الحجة ، سار
وفيها ثالث شباط ، سقط ببغداد ثلج ، وبرد الماء بردا شديدا ، وقوي البرد حتى مات به جماعة من الفقراء .
وفيها في ربيع الأول ، زادت دجلة زيادة عظيمة ، واشتغل الناس بإصلاح سكر القورج ، وخافوا ، فبلغت الزيادة قريبا من الزيادة الأولى ، ثم نقص الماء واستبشر الناس .