[ ص: 413 ] ذكر الظاهر بأمر الله . وفاة الخليفة
في هذه السنة في الرابع عشر من رجب ، توفي الإمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين أبو نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء بأمر الله ، وقد تقدم نسبه عند وفاة أبيه - رضي الله عنهما ، فكانت خلافته تسعة أشهر وأربعة وعشرين يوما ، وكان نعم الخليفة ، جمع الخشوع مع الخضوع لربه ، والعدل والإحسان إلى رعيته ، وقد تقدم عند ذكر ولايته الخلافة من أفعاله ما فيه كفاية ، ولم يزل كل يوم يزداد من الخير والإحسان إلى الرعية ، فرضي الله عنه وأرضاه ، وأحسن منقلبه ومثواه ، فلقد جدد من العدل ما كان دارسا ، وأذكر من الإحسان ما كان منسيا .
وكان قبل وفاته أخرج توقيعا إلى الوزير بخطه ليقرأه على أرباب الدولة ، وقال الرسول : أمير المؤمنين يقول : ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم ، أو نفذ مناك ، ثم لا يبين له أثر ، بل أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال ، فقرءوه ، فإذا في أوله بعد البسملة :
" اعلموا أنه ليس إمهالنا إهمالا ، ولا إغضاؤنا إغفالا ، ولكن لنبلوكم أيكم أحسن عملا ، وقد عفونا لكم ما سلف من إخراب البلاد ، وتشريد الرعايا ، وتقبيح السمعة ، وإظهار الباطل الجلي في صورة الحق الخفي حيلة ومكيدة ، وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكا لأغراض انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسل ، وأنياب أسد مهيب ، تتفقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد ، وأنتم أمناؤه وثقاته ، فتميلون رأيه إلى هواكم ، وتمرجون باطلكم بحقه ، فيطيعكم وأنتم له عاصون ، ويوافقكم وأنتم له مخالفون ، والآن قد بدل الله - سبحانه - بخوفكم أمنا ، وبفقركم غنى ، وبباطلكم حقا ، ورزقكم سلطانا يقيل العثرة ويقبل المعذرة ، ولا يؤاخذ إلا من أصر ، ولا ينتقم إلا ممن استمر ، يأمركم بالعدل وهو يريده منكم ، وينهاكم عن الجور وهو يكرهه لكم ، يخاف الله - تعالى ، فيخوفكم مكره ، ويرجو الله [ ص: 401 ] تعالى ، ويرغبكم في طاعته ، فإن سلكتم مسالك خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه وإلا هلكتم ، والسلام " .
ولما توفي وجدوا في بيت ، في داره ألوف رقاع كلها مختومة لم يفتحها ، فقيل له ليفتحها ، فقال : لا حاجة لنا فيها ، كلها سعايات .
ولم أزل - علم الله سبحانه - مذ ولي الخلافة ، أخاف عليه قصر المدة لخبث الزمان وفساد أهله ، وأقول لكثير من أصدقائنا : وما أخوفني أن تقصر مدة خلافته ; لأن زماننا وأهله لا يستحقون خلافته ، فكان كذلك .