ذكر عدة حوادث .
: أولاهما ليلة رابع عشر صفر ، وفيها كانت أعجوبة بالقرب من في هذه السنة انخسف القمر مرتين الموصل حامة تعرف بعين القيارة ، شديدة الحرارة ، تسميها الناس عين ميمون ، ويخرج مع الماء قليل من القار . فكان الناس يسبحون فيها دائما في الربيع والخريف; لأنها تنفع من الأمراض الباردة كالفالج وغيره نفعا عظيما ، فكان من يسبح فيها يجد الكرب الشديد من حرارة الماء ، ففي هذه السنة برد الماء فيها ، حتى كان السابح فيها يجد البرد ، فتركوها وانتقلوا إلى غيرها .
وفيها كثرت الذئاب والخنازير والحيات ، فقتل كثير ، فلقد بلغني أن ذئبا دخل الموصل فقتل فيها ، وحدثني صديق لنا ، له بستان بظاهر الموصل ، أنه قتل فيه في سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، جميع الصيف حيتين ، وقتل هذه السنة إلى أول حزيران سبع حيات لكثرتها .
[ ص: 421 ] وفيها انقطع المطر بالموصل وأكثر البلاد الجزرية من خامس شباط إلى ثاني عشر نيسان ، ولم يجر شيء يعتد به ، لكنه سقط اليسير منه في بعض القرى ، فجاءت الغلات قليلة ، ثم خرج الجراد الكثير ، فازداد الناس أذى ، وكانت الأسعار قد صلحت شيئا ، فعادت لكثرة الجراد فغلت ، ونزل أيضا في أكثر القرى برد كبير ، أهلك زروع أهلها وأفسدها ، واختلفت أقاويل الناس في أكبره ، كان وزن بردة مائتي درهم ، وقيل رطل ، وقيل غير ذلك ، إلا أنه أهلك كثيرا من الحيوان ، وانقضت هذه السنة والغلاء باق وأشده بالموصل .
وفيها اصطاد صديق لنا أرنبا ، فرآه وله أنثيان وذكر وفرج أنثى ، فلما شقوا بطنها رأوا فيها حريفين ، سمعت هذا منه ومن جماعة كانوا معه ، وقالوا : ما زلنا نسمع أن الأرنب يكون سنة ذكرا وسنة أنثى ، ولا نصدق ذلك ، فلما رأينا هذا ، علمنا أنه قد حمل وهو أنثى ، وانقضت السنة فصار ذكرا ، فإن كان كذلك ، وإلا فيكون في الأرانب كالخنثى في بني آدم ، يكون لأحدهم فرج الرجل وفرج الأنثى ، كما أن الأرنب تحيض كما تحيض النساء ، فإني كنت بالجزيرة ، ولنا جار له بنت اسمها صفية ، فبقيت كذلك نحو خمس عشرة سنة ، وإذا قد طلع لها ذكر رجل ، ونبتت لحيته ، فكان له فرج امرأة وذكر رجل .
وفيها ذبح إنسان عندنا رأس غنم ، فوجد لحمه مرا شديد المرارة ، حتى رأسه وأكارعه ومعلاقه وجميع أجزائه ، وهذا ما لم يسمع بمثله .
[ ص: 422 ] وفيها يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ذي القعدة ضحوة النهار ، زلزلت الأرض بالموصل وكثير من البلاد العربية والعجمية ، وكان أكثرها بشهرزور ، فإنها خرب أكثرها ، ولا سيما القلعة ، فإنها أجحفت بها ، وخرب من تلك الناحية ست قلاع ، وبقيت الزلزلة تتردد فيها نيفا وثلاثين يوما ، ثم كشفها الله عنهم ، وأما القرى بتلك الناحية فخرب أكثرها .
[ الوفيات ] .
وفيها في رجب ، أبو منصور المظفر بن عبد القاهر بن الحسن بن علي بن القاسم الشهرزوري ، قاضي توفي القاضي حجة الدين الموصل بها ، وكان قد أضر قبل وفاته بنحو سنتين ، وكان عالما بالقضاء ، عفيفا ، نزها ، ذا رئاسة كبيرة ، وله صلات دارة للمقيم والوارد - رحمه الله ، فلقد كان من محاسن الدنيا ، ولم يخلف غير بنت توفيت بعده بثلاثة أشهر .