ذكر دمشق فتح
قيل : ولما هزم الله أهل اليرموك استخلف أبو عبيدة على اليرموك ، وسار حتى نزل بشير بن كعب الحميري بالصفر ، فأتاه الخبر أن المنهزمين اجتمعوا بفحل ، وأتاه الخبر أيضا بأن المدد قد أتى أهل دمشق من حمص ، فكتب إلى عمر في ذلك ، فأجابه عمر [ ص: 269 ] يأمره بأن يبدأ بدمشق ، فإنها حصن الشام وبيت ملكهم ، وأن يشغل أهل فحل بخيل تكون بإزائهم ، وإذا فتح دمشق سار إلى فحل ، فإذا فتحت عليهم سار هو وخالد إلى حمص ، وترك شرحبيل بن حسنة وعمرا بالأردن وفلسطين .
فأرسل أبو عبيدة إلى فحل طائفة من المسلمين فنزلوا قريبا منها ، وبثق الروم الماء حول فحل فوحلت الأرض ، فنزل عليهم المسلمون ، فكان أول محصور بالشام أهل فحل ، ثم أهل دمشق .
وبعث أبو عبيدة جندا فنزلوا بين حمص ودمشق ، وأرسل جندا آخر ، فكانوا بين دمشق وفلسطين ، وسار أبو عبيدة وخالد فقدموا على دمشق وعليها نسطاس ، فنزل أبو عبيدة على ناحية ، وخالد على ناحية ، وعمرو على ناحية ، وكان هرقل قريب حمص ، فحصرهم المسلمون سبعين ليلة حصارا شديدا ، وقاتلوهم بالزحف والمجانيق ، وجاءت خيول هرقل مغيثة دمشق ، فمنعتها خيول المسلمين التي عند حمص ، فخذل أهل دمشق ، وطمع فيهم المسلمون .
وولد للبطريق الذي على أهلها مولود ، فصنع طعاما ، فأكل القوم وشربوا ، وتركوا مواقفهم ، ولا يعلم بذلك أحد من المسلمين إلا ما كان من خالد ، فإنه كان لا ينام ولا ينيم ، ولا يخفى عليه من أمورهم شيء ، وكان قد اتخذ حبالا كهيئة السلاليم وأوهاقا ، فلما أمسى ذلك اليوم نهد هو ومن معه من جنده الذين قدم عليهم ، وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي وأمثاله ، وقالوا : إذا سمعتم تكبيرا على السور فارقوا إلينا ، واقصدوا الباب . فلما وصل هو وأصحابه إلى السور ألقوا الحبال ، فعلق بالشرف منها حبلان ، فصعد فيهما القعقاع ومذعور وأثبتا الحبال بالشرف ، وكان ذلك المكان أحصن موضع بدمشق ، وأكثره ماء ، فصعد المسلمون ، ثم انحدر خالد وأصحابه وترك بذلك المكان من يحميه وأمرهم بالتكبير ، فكبروا ، فأتاهم المسلمون إلى الباب وإلى الحبال ، وانتهى خالد إلى من يليه فقتلهم ، وقصد الباب فقتل البوابين ، وثار أهل المدينة لا يدرون ما الحال ، وتشاغل أهل كل ناحية بما يليهم ، وفتح خالد الباب وقتل كل من عنده من الروم .
فلما رأى الروم ذلك قصدوا أبا عبيدة وبذلوا له الصلح ، فقبل منهم وفتحوا له الباب [ ص: 270 ] وقالوا له : ادخل وامنعنا من أهل ذلك الجانب ، ودخل أهل كل باب بصلح مما يليهم . ودخل خالد عنوة ، فالتقى خالد والقواد في وسطها ، هذا قتلا ونهبا ، وهذا صفحا وتسكينا ، فأجروا ناحية خالد مجرى الصلح ، وكان صلحهم على المقاسمة ، وقسموا معهم للجنود التي عند فحل وعند حمص وغيرهم ممن هو ردء للمسلمين .
وأرسل أبو عبيدة إلى عمر بالفتح ، فوصل كتاب عمر إلى أبي عبيدة يأمره بإرسال جند العراق نحو العراق إلى ، فأرسلهم وأمر عليهم سعد بن أبي وقاص ، وكانوا قد قتل منهم ، فأرسل هاشم بن عتبة المرقال أبو عبيدة عوض من قتل ، وكان ممن أرسل الأشتر وغيره ، وسار أبو عبيدة إلى فحل .