ذكر بكسكر وقعة السقاطية
ولحق المنهزمون نحو كسكر وبها نرسي ، وهو ابن خالة الملك ، وكان له النرسيان ، وهو نوع من التمر يحميه ، لا يأكله إلا ملك الفرس أو من أكرموه بشيء منه ، ولا يغرسه غيرهم ، واجتمع إلى النرسي الفالة ، وهو في عسكره ، فسار أبو عبيد إليهم من النمارق ، وكان على مجنبتي نرسي بندويه وتيرويه ابنا بسطام خال الملك ، ومعه أهل باروسما والزوابي . ولما بلغ الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان بعثا الجالينوس إلى نرسي ، فلحقه قبل الحرب ، فعاجلهم أبو عبيد ، فالتقوا أسفل من كسكر ، بمكان يدعى السقاطية ، فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت فارس وهرب نرسي ، وغلب المسلمون على عسكره وأرضه وجمعوا الغنائم ، فرأى أبو عبيد من الأطعمة شيئا كثيرا ، فنفله من حوله من العرب ، وأخذوا النرسيان فأطعموه الفلاحين ، وبعثوا بخمسه إلى عمر وكتبوا إليه : إن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة تحميها ، وأحببنا أن تروها ؛ لتشكروا إنعام الله وإفضاله . وأقام أبو عبيد .
[ ص: 276 ] وبعث أبو عبيد المثنى إلى باروسما ، وبعث والقا إلى الزوابي ، وعاصما إلى نهر جوبر ، فهزموا من كان تجمع ، وأخرجوا وسبوا أهل زندورد وغيرها ، وبذل لهم فروخ وفراونداد عن أهل باروسما والزوابي وكسكر - الجزاء معجلا ، فأجابوا إلى ذلك وصاروا صلحا ، وجاء فروخ وفراونداد إلى أبي عبيد بأنواع الطعام والأخصبة وغيرها ، فقال : هل أكرمتم الجند بمثلها ؟ فقالوا : لم يتسير ونحن فاعلون . وكانوا يتربصون قدوم الجالينوس . فقال أبو عبيد : لا حاجة لنا فيه ، بئس المرء أبو عبيد إن صحب قوما من بلادهم استأثر عليهم بشيء ، ولا الله لا آكل ما أتيتم به ولا مما أفاء الله إلا مثل ما يأكل أوساطهم . فلما هزم الجالينوس أتوه بالأطعمة أيضا ، فقال : ما آكل هذا دون المسلمين . فقالوا له : ليس من أصحابك أحد إلا وقد أتى بمثل هذا ، فأكل حينئذ .