ذكر وفاة إبراهيم  ، وعدد ما أنزل عليه  
قيل : لما أراد الله قبض روح إبراهيم  أرسل إليه ملك الموت  في صورة شيخ هرم ، فرآه إبراهيم  وهو يطعم الناس وهو شيخ كبير في الحر ، فبعث إليه بحمار فركبه حتى أتاه ، فجعل الشيخ يأخذ اللقمة يريد أن يدخلها فاه فيدخلها في عينه وأذنه ، ثم يدخلها فاه ، فإذا دخلت جوفه خرجت من دبره ، وكان إبراهيم  سأل ربه أن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأله الموت ، فقال : يا شيخ مالك تصنع هذا ؟ قال : يا إبراهيم  الكبر . قال : ابن   [ ص: 111 ] كم أنت ؟ فزاد على عمر إبراهيم  سنتين . فقال إبراهيم    : إنما بيني وبين أن أصير هكذا سنتان ، اللهم اقبضني إليك ! فقام الشيخ وقبض روحه ومات وهو ابن مائتي سنة . 
وقيل : مائة وخمس وسبعين سنة ، وهذا عندي فيه نظر لأن إبراهيم  لا يخلو أن يكون قد رأى من هو أكبر منه بسنتين أو أكثر من ذلك ، فإن من عاش مائتي سنة كيف لا يرى من هو أكبر منه بهذا القدر القريب ؟ ولكن هكذا روي ، ثم إنه قد بلغ عمر نوح  ولم يصبه شيء مما رأى بذلك الرجل . 
وروى  أبو ذر  ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : وأنزل الله على إبراهيم  عشر صحائف ، قال : قلت : يا رسول الله ، فما كانت صحف إبراهيم  ؟ قال : كانت أمثالا كلها : أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها ولو كانت من كافر . 
وكان فيها أمثال ، منها : وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال في المطعم والمشرب . وعلى العاقل أن يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاده ، ومرمة لمعاشه ، ولذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه . 
وهو أول من اختتن ، وأول من أضاف الضيف ، وأول من اتخذ السراويل ، إلى غير ذلك من الأقاويل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					