ذكر ولاية   عتبة بن غزوان  البصرة   
قيل : في هذه السنة بعث  عمر   عتبة بن غزوان  إلى البصرة  ، وكان بها  قطبة بن قتادة السدوسي  يغير بتلك الناحية ، كما كان يغير  المثنى  بناحية الحيرة  ، فكتب إلى  عمر  يعلمه مكانه ، وأنه لو كان معه عدد يسير ظفر بمن كان قبله من العجم ، فنفاهم عن بلادهم . فكتب إليه  عمر  يأمره بالمقام والحذر ، ووجه إليه  شريح بن عامر  أحد بني سعد بن بكر  ، فأقبل إلى البصرة  ، وترك بها قطبة ، ومضى إلى الأهواز  ، حتى انتهى إلى دارس  ، وفيها مسلحة الأعاجم ، فقتلوه ، فبعث  عمر عتبة بن غزوان  ، [ و ] قال له حين وجهه : 
يا  عتبة  ، إني قد استعملتك على أرض الهند  ، وهي حومة من حومة العدو ، وأرجو   [ ص: 317 ] أن يكفيك الله ما حولها ، ويعينك عليها ، وقد كتبت إلى   العلاء بن الحضرمي  أن يمدك  بعرفجة بن هرثمة  ، وهو ذو مجاهدة ومكايدة للعدو ، فإذا قدم عليك فاستشره ، وادع إلى الله ، فمن أجابك فاقبل منه ، ومن أبى فالجزية وإلا فالسيف ، واتق الله فيما وليت ، وإياك أن تنازعك نفسك إلى كبر مما يفسد عليك إخوتك ، وقد صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعززت به بعد الذلة ، وقويت به بعد الضعف ، حتى صرت أميرا مسلطا وملكا مطاعا ، تقول فيسمع منك ، وتأمر فيطاع أمرك ، فيا لها نعمة ! إن لم ترفعك فوق قدرك وتبطرك على من دونك ، واحتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية ، ولهي أخوفهما عندي عليك أن تستدرجك وتخدعك ، فتسقط سقطة تصير بها إلى جهنم ، أعيذك بالله ونفسي من ذلك . إن الناس أسرعوا إلى الله حين رفعت لهم الدنيا فأرادوها ، فأرد الله ولا ترد الدنيا ، واتق مصارع الظالمين . انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى العرب وأدنى أرض العجم فأقيموا . 
فسار  عتبة  ومن معه ، حتى إذا كانوا بالمربد تقدموا حتى بلغوا حيال الجسر الصغير فنزلوا . فبلغ صاحب الفرات  خبرهم ، فأقبل في أربعة آلاف فالتقوا ، فقاتلهم  عتبة  بعد الزوال ، وكان في خمسمائة ، فقتلهم أجمعين ، ولم يبق إلا صاحب الفرات  فأخذه أسيرا ، ثم خطب  عتبة  أصحابه وقال : إن الدنيا قد تصرمت وولت حذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، ألا وإنكم منتقلون منها إلى دار القرار ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ، وقد ذكر لي : لو أن صخرة ألقيت من شفير جهنم لهوت سبعين خريفا ، ولتملأنه ; أوعجبتم ! ولقد ذكر لي أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين خريفا ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ ، [ بزحام ] ، ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ما لنا طعام إلا ورق السمر حتى تقرحت أشداقنا ، والتقطت بردة فشققتها بيني وبين  سعد  ، فما منا [ من ] أولئك السبعة من أحد إلا وهو أمير مصر من الأمصار ،   [ ص: 318 ] وسيجربون الناس بعدنا . 
وكان نزوله البصرة  في ربيع الأول أو الآخر سنة أربع عشرة . 
وقيل : إن البصرة  مصرت سنة ست عشرة بعد جلولاء  وتكريت  ، أرسله  سعد  إليها بأمر  عمر     . وإن  عتبة  لما نزل البصرة  أقام نحو شهر ، فخرج إليه أهل الأبلة  ، وكان بها خمسمائة أسوار يحمونها ، وكانت مرفأ السفن من الصين ، فقاتلهم  عتبة  فهزمهم حتى دخلوا المدينة ، ورجع  عتبة  إلى عسكره ، وألقى الله الرعب في قلوب الفرس ، فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف وعبروا الماء ، وأخلوا المدينة ، ودخلها المسلمون ، فأصابوا متاعا وسلاحا وسبيا فاقتسموه ، وأخرج الخمس منه ، وكان المسلمون ثلاثمائة . وكان فتحها في رجب أو في شعبان . 
ثم نزل موضع الرزق  ، وخط موضع المسجد وبناه بالقصب    . 
وكان أول مولود بها   عبد الرحمن بن أبي بكرة  ، فلما ولد ذبح أبوه جزورا ، فكفتهم لقلة الناس . 
وجمع لهم أهل دستميسان ، فلقيهم  عتبة  فهزمهم وأخذ مرزبانها أسيرا ، وأخذ  قتادة  منطقته ، فبعث بها مع  أنس بن حجنة  إلى  عمر  ، فقال له  عمر     : كيف الناس ؟ فقال : انثالت عليهم الدنيا ، فهم يهيلون الذهب والفضة . فرغب الناس في البصرة  فأتوها . 
واستعمل  عتبة  مجاشع بن مسعود  على جماعة وسيرهم إلى الفرات  ، واستخلف   المغيرة بن شعبة  على الصلاة إلى أن يقدم  مجاشع بن مسعود  ، فإذا قدم فهو الأمير ، وسار  عتبة  إلى  عمر     . فظفر  مجاشع  بأهل الفرات  وجمع  الفليكان  ، عظيم من الفرس ، للمسلمين ، فخرج إليه   المغيرة بن شعبة  فلقيهم بالمرغاب  فاقتتلوا . فقال نساء المسلمين : لو لحقنا بهم فكنا معهم ، فاتخذن من خمرهن رايات وسرن إلى المسلمين .
 [ ص: 319 ] فلما رأى المشركون الرايات ظنوا أن مددا للمسلمين قد أقبل ، فانهزموا وظفر بهم المسلمون . 
وكتب إلى  عمر  بالفتح ، فقال  عمر  لعتبة     : من استعملت على البصرة  ؟ فقال :  مجاشع بن مسعود     . قال : أتستعمل رجلا من أهل الوبر على أهل المدر ؟ وأخبره بما كان من المغيرة ، وأمره أن يرجع إلى عمله ، فمات في الطريق ، وقيل في موته غير ذلك ، وسيرد ذكره سنة سبع عشرة 
وكان من سبي ميسان  يسار أبو الحسن البصري  ،  وأرطبان  جد  عبد الله بن عون بن أرطبان     . 
وقيل : إن إمارة  عتبة  البصرة  كانت سنة خمس عشرة ، وقيل : ست عشرة ، والأول أصح ، فكانت إمارته عليها ستة أشهر . 
واستعمل  عمر  على البصرة   المغيرة بن شعبة  ، فبقي سنتين ثم رمي بما رمي ، واستعمل  أبا موسى  ، وقيل : استعمل بعد  عتبة  أبا موسى  وبعده  المغيرة     . 
وفيها - أعني سنة أربع عشرة - ضرب  عمر  ابنه  عبيد الله  وأصحابه في شراب شربوه ،  وأبا محجن     . 
وفيها أمر  عمر  بالقيام في شهر رمضان في المساجد بالمدينة  ، وجمعهم على   أبي بن كعب  ، وكتب إلى الأمصار بذلك . 
وحج بالناس في هذه السنة   عمر بن الخطاب     . وكان على مكة  عتاب بن أسيد  في قول ، وعلى اليمن   يعلى بن منية  ، وعلى الكوفة  سعد  ، وعلى الشام   أبو عبيدة بن الجراح  ، وعلى البحرين   عثمان بن أبي العاص  ، وقيل   العلاء بن الحضرمي  ، وعلى عمان  حذيفة بن محصن     . 
 [ ص: 320 ]   [ الوفيات ] 
وفي هذه السنة مات  أبو قحافة  والد   أبي بكر الصديق  بعد موت ابنه . 
وفيها مات   سعد بن عبادة الأنصاري  ، وقيل : سنة إحدى عشرة ، وقيل : سنة خمس عشرة 
وفيها قتل  سليط بن عمرو بن عامر بن لؤي  
وفيها ماتت هند بنت عتبة بن ربيعة أم  معاوية   ، وكان إسلامها يوم الفتح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					