[ ص: 472 ]   29 
ثم دخلت سنة تسع وعشرين 
ذكر عزل  أبي موسى  عن البصرة   واستعمال  ابن عامر  عليها 
قيل في هذه السنة عزل  عثمان   أبا موسى الأشعري  عن البصرة  ، واستعمل   عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس     ( وهو ابن خال  عثمان     ) ، وقيل : كان ذلك لثلاث سنين مضت من خلافة  عثمان     . 
وكان سبب عزله أن أهل إيذج  والأكراد  كفروا في السنة الثالثة من خلافة  عثمان  ، فنادى  أبو موسى  في الناس وحضهم على الجهاد ، وذكر من فضل الجهاد ماشيا ، فحمل نفر على دوابهم وأجمعوا على أن يخرجوا رجالة . وقال آخرون : لا نعجل بشيء حتى ننظر ما يصنع ، فإن أشبه قوله فعله فعلنا كما يفعل . 
فلما خرج أخرج ثقله من قصره على أربعين بغلا ، فتعلقوا بعنانه وقالوا : احملنا على بعض هذه الفضول ، وارغب في المشي كما رغبتنا . فضرب القوم بسوطه ، فتركوا دابته ، فمضى . وأتوا  عثمان  فاستعفوه منه وقالوا : ما كل ما نعلم نحب أن تسألنا عنه ، فأبدلنا به . فقال : من تحبون ؟ فقال  غيلان بن خرشة     : في كل أحد عوض من هذا العبد الذي قد أكل أرضنا ! أما منكم خسيس فترفعوه ؟ أما منكم فقير فتجيروه ؟ يا معشر قريش  ، حتى متى يأكل هذا الشيخ الأشعري هذه البلاد ؟ فانتبه لها  عثمان  ، فعزل  أبا موسى  وولى   عبد الله بن عامر بن كريز     . فلما سمع  أبو موسى  قال : يأتيكم غلام خراج   [ ص: 473 ] ولاج ، كريم الجدات والخالات والعمات ، يجمع له الجندان . ( وكان  عمر ابن عامر  خمسا وعشرين سنة ) ، وجمع له جند  أبي موسى  وجند   عثمان بن أبي العاص الثقفي  من عمان  والبحرين  ، واستعمل على خراسان  عمير بن عثمان بن سعد  ، وعلى سجستان  عبد الله بن عمير الليثي  ، وهو من ثعلبة  ، فأثخن فيها إلى كابل  ، وأثخن  عمير  في خراسان  ، حتى بلغ فرغانة  ، لم يدع دونها كورة إلا أصلحها ، وبعث إلى مكران  عبيد الله بن معمر  ، فأثخن فيها حتى بلغ النهر ، وبعث على كرمان  عبد الرحمن بن عبيس  ، وبعث إلى الأهواز  وفارس  نفرا ، ثم  عزل عبد الله بن عمير  ، واستعمل   عبد الله بن عامر  فأقره عليها سنة ثم عزله ، واستعمل  عاصم بن عمرو  وعزل عبد الرحمن بن عبيس  ، وأعاد  عدي بن سهيل بن عدي  ، وصرف  عبيد الله بن معمر  إلى فارس  ، واستعمل مكانه  عمير بن عثمان ،  واستعمل على خراسان  أمير بن أحمر اليشكري  ، واستعمل على سجستان  سنة أربع  عمران بن الفضيل البرجمي     . ومات  عاصم بن عمرو  بكرمان    . 
(  عبيس     : بضم العين المهملة وفتح الباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحتها وآخره سين مهملة .  وأمير  بضم الهمزة [ وفتح الميم وآخره راء .  وكريز بن ربيعة  بضم الكاف وفتح الراء ] ) . 
ذكر انتقاض أهل فارس   ثم إن أهل فارس  انتفضوا ونكثوا  بعبيد الله بن معمر  ، فسار إليهم ، فالتقوا على باب إصطخر  ، فقتل  عبيد الله  وانهزم المسلمون ، وبلغ الخبر   عبد الله بن عامر  ، فاستنفر أهل البصرة  وسار بالناس إلى فارس  فالتقوا بإصطخر  ، وكان على ميمنته   أبو برزة الأسلمي  ، وعلى ميسرته   معقل بن يسار  ، وعلى الخيل   عمران بن الحصين  ، ولكلهم صحبة ، واشتد القتال ، فانهزم الفرس  وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وفتحت إصطخر  عنوة ، وأتى دارابجرد  وقد غدر أهلها ففتحها ، وسار إلى مدينة جور  ، وهي أردشير خره  ،   [ ص: 474 ] فانتقضت إصطخر  فلم يرجع ، وتمم السير إلى جور  وحاصرها ، وكان   هرم بن حيان  محاصرا لها ، وكان المسلمون يحاصرونها وينصرفون عنها فيأتون إصطخر  ويغزون نواحي كانت تنتقض عليهم ، فلما نزل  ابن عامر  عليها فتحها . 
وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلي ذات ليلة ، وإلى جانبه جراب له فيه خبز ولحم ، فجاء كلب فجره وعدا به حتى دخل المدينة من مدخل لها خفي ، فلزم المسلمون ذلك المدخل حتى دخلوها منه وفتحوها عنوة . 
فلما فرغ منها  ابن عامر  عاد إلى إصطخر  ففتحها عنوة بعد أن حاصرها واشتد القتال عليها ، ورميت بالمجانيق ، وقتل بها خلقا كثيرا من الأعاجم ، وأفني أكثر أهل البيوتات ووجوه الأساورة ، وكانوا قد لجئوا إليها . وقيل : إن أهل إصطخر   لما نكثوا عاد إليها  ابن عامر  قبل وصوله إلى جور  ، فملكها عنوة ، وعاد إلى جور  فأتى دارابجرد  فملكها ، وكانت منتقضة أيضا ، ووطئ أهل فارس  وطأة لم يزالوا منها في ذل ، وكتب إلى  عثمان  بالخبر ، فكتب إليه أن يستعمل على بلاد فارس  هرم بن حيان اليشكري  ،  وهرم بن حيان العبدي  ،  والخريت بن راشد  ،  والمنجاب بن راشد  ،  والترجمان الهجيمي  ، وأمره أن يفرق كور خراسان  على جماعة ، فيجعل   الأحنف  على المروين ،  وحبيب بن قرة اليربوعي  على بلخ  ،  وخالد بن عبد الله بن زهير  على هراة  ،  وأمير بن أحمر  على طوس  ،  وقيس بن هبيرة السلمي  على نيسابور  ، وبه تخرج  عبد الله بن خازم  ، وهو ابن عمه ، ثم جمعها  عثمان  قبل موته  لقيس  ، واستعمل  أمير بن أحمر  على سجستان  ، ثم جعل عليها   عبد الرحمن بن سمرة  ، وهو من آل  حبيب بن عبد شمس   ، فمات  عثمان  وهو عليها ، ومات  وعمران  على مكران  ،  وعمير بن عثمان بن سعد  على فارس  ،  وابن كندير القشيري  على كرمان    . 
ثم وفد  قيس بن الهيثم عبد الله بن خازم  إلى  ابن عامر  في زمن  عثمان  ، وكان  ابن عامر  يكرمه ، فقال  لابن عامر     : اكتب لي على خراسان  عهدا إن خرج عنها  قيس     . ففعل ، فرجع إلى خراسان  ، فلما قتل  عثمان  وجاش العدو قال  ابن خازم  لقيس     : الرأي أن تخلفني وتمضي حتى تنظر فيما ينظرون فيه ، ففعل ، فأخرج  ابن خازم  بعده عهدا   [ ص: 475 ] بخلافته وثبت على خراسان  إلى أن قام   علي بن أبي طالب .  وغضب  قيس  من صنيع  ابن خازم . 
    ( الخريت : بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وسكون الياء تحتها نقطتان وآخره تاء فوقها نقطتان ) . 
ذكر الزيادة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم    - 
في هذه السنة زاد  عثمان  في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم    - في ربيع الأول ، وكان ينقل الجص من بطن نخل  ، وبناه بالحجارة المنقوشة ، وجعل عمده من حجارة فيها رصاص ، وجعل طوله ستين ومائة ذراع ، وعرضه خمسين ومائة ذراع ، وجعل أبوابه على ما كانت أيام  عمر  ستة أبواب . 
ذكر إتمام  عثمان  الصلاة بجمع  وأول ما تكلم الناس فيه  
حج بالناس في هذه السنة  عثمان  ، وضرب فسطاطه بمنى  ، وكان أول فسطاط ضربه  عثمان  بمنى  ، وأتم الصلاة بها وبعرفة  ، فكان أول ما تكلم به الناس في  عثمان  ظاهرا حين أتم الصلاة بمنى  ، فعاب ذلك غير واحد من الصحابة ، وقال له  علي     : ما حدث أمر ولا قدم عهد ، ولقد عهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - ،  وأبا بكر  وعمر  يصلون ركعتين وأنت صدرا من خلافتك ، فما أدري ما ترجع إليه . فقال : رأي رأيته . وبلغ الخبر   عبد الرحمن بن عوف  وكان معه ، فجاءه وقال له : ألم تصل في هذا المكان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،  وأبي بكر  وعمر  ركعتين وصليت أنت ركعتين ؟ قال : بلى ولكني أخبرت أن بعض من حج من اليمن  وجفاة الناس قالوا : إن الصلاة للمقيم ركعتان ، واحتجوا بصلاتي ، وقد اتخذت بمكة  أهلا ولي بالطائف  مال . فقال  عبد الرحمن     : ما في هذا عذر ، أما قولك : اتخذت بها أهلا ، فإن زوجك بالمدينة  تخرج بها إذا شئت ، وإنما تسكن بسكناك ، وأما مالك بالطائف  فبينك وبينه مسيرة ثلاث ليال ، وأما قولك عن حاج اليمن  وغيرهم ، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينزل عليه الوحي والإسلام قليل ، ثم  أبو بكر  وعمر  ، فصلوا ركعتين وقد ضرب الإسلام بجرانه   . فقال  عثمان     : هذا رأي رأيته   . 
 [ ص: 476 ] فخرج  عبد الرحمن  فلقي   ابن مسعود  فقال :  أبا محمد  ، غير ما تعلم . قال : فما أصنع ؟ قال : اعمل بما ترى وتعلم . فقال   ابن مسعود     : الخلاف شر وقد صليت بأصحابي أربعا . فقال  عبد الرحمن     : قد صليت بأصحابي ركعتين وأما الآن فسوف أصلي أربعا . 
وقيل : كان ذلك سنة ثلاثين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					