ذكر تسيير  أبي ذر  إلى الربذة   
وفي هذه السنة كان ما ذكر في أمر  أبي ذر  ، وإشخاص  معاوية  إياه من الشام  إلى المدينة  ، وقد ذكر في سبب ذلك أمور كثيرة ، من سب  معاوية  إياه وتهديده بالقتل ، وحمله إلى المدينة  من الشام  بغير وطاء ، ونفيه من المدينة  على الوجه الشنيع ، لا يصح النقل به ، ولو صح لكان ينبغي أن يعتذر عن  عثمان  ، فإن للإمام أن يؤدب رعيته ، وغير ذلك من   [ ص: 484 ] الأعذار ، لا أن يجعل ذلك سببا للطعن عليه ، كرهت ذكرها . 
وأما العاذرون فإنهم قالوا : لما ورد  ابن السوداء  إلى الشام  لقي  أبا ذر  فقال : يا  أبا ذر  ألا تعجب من  معاوية  يقول : المال مال الله ! ألا إن كل شيء لله ، كأنه يريد أن يحتجبه دون الناس ، ويمحو اسم المسلمين . فأتاه  أبو ذر  فقال : ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله الساعة ؟ قال : يرحمك الله يا  أبا ذر     ! ألسنا عباد الله والمال ماله ؟ قال : فلا تقله . قال : سأقول مال المسلمين . وأتى  ابن السوداء   أبا الدرداء  فقال له مثل ذلك . فقال : أظنك [ والله ] يهوديا ! فأتى   عبادة بن الصامت  ، فتعلق به  عبادة  وأتى به  معاوية  فقال : هذا والله الذي بعث عليك  أبا ذر     . 
وكان  أبو ذر  يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته ، أو شيء ينفقه في سبيل الله ، أو يعده لكريم ، ويأخذ بظاهر القرآن ( الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم    )   . فكان يقوم بالشام  ويقول : يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء ، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء ، وشكا الأغنياء ما يلقون منهم . فأرسل  معاوية  إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها . فلما صلى  معاوية  الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال : اذهب إلى  أبي ذر  فقل له : أنقذ جسدي من عذاب  معاوية  ، فإنه أرسلني إلى غيرك وإني أخطأت بك . ففعل ذلك . فقال له  أبو ذر     : يا بني قل له : والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار ولكن أخرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها . فلما رأى  معاوية  أن فعله يصدق قوله كتب إلى  عثمان     : إن  أبا ذر  قد ضيق علي ، وقد كان كذا وكذا ، للذي يقوله الفقراء . فكتب إليه  عثمان     : إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها ولم يبق إلا أن تثب ، فلا تنكأ القرح ، وجهز  أبا ذر  إلي ، وابعث معه دليلا وكفكف الناس ونفسك ما استطعت . وبعث إليه  بأبي ذر     . 
فلما قدم المدينة  ، ورأى المجالس في أصل جبل سلع  قال : بشر أهل المدينة  بغارة شعواء وحرب مذكار . ودخل على  عثمان  فقال له : ما لأهل الشام  يشكون ذرب لسانك ؟   [ ص: 485 ] فأخبره . فقال : يا  أبا ذر  علي أن أقضي ما علي ، وأن أدعو الرعية إلى الاجتهاد والاقتصاد ، وما علي أن أجبرهم على الزهد . فقال أبو ذر     : لا ترضوا من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف ، ويحسنوا إلى الجيران والإخوان ، ويصلوا القرابات . فقال   كعب الأحبار  ، وكان حاضرا : من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه . فضربه  أبو ذر  فشجه ، وقال له : يا ابن اليهودية ما أنت وما هاهنا ؟ فاستوهب  عثمان  كعبا  شجته ، فوهبه . فقال  أبو ذر  لعثمان     : تأذن لي في الخروج من المدينة  ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني بالخروج منها إذا بلغ البناء سلعا    . فأذن له ، فنزل الربذة  وبنى بها مسجدا ، وأقطعه  عثمان  صرمة من الإبل ، وأعطاه مملوكين وأجرى عليه كل يوم عطاء ، وكذلك على   رافع بن خديج  ، وكان قد خرج أيضا عن المدينة  لشيء سمعه . 
وكان  أبو ذر  يتعاهد المدينة مخافة أن يعود أعرابيا ، أخرج  معاوية  إليه أهله ، فخرجوا ومعهم جراب مثقل يد الرجل ، فقال : انظروا إلى هذا الذي يزهد في الدنيا ما عنده ؟ فقالت امرأته : والله ما هو دينار ولا درهم ، ولكنها فلوس ، كان إذا خرج عطاؤه ابتاع منه فلوسا لحوائجنا . ولما نزل الربذة  أقيمت الصلاة وعليها رجل يلي الصدقة ، فقال : تقدم يا  أبا ذر     . فقال : لا ، تقدم أنت ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لي : اسمع وأطع وإن كان عليك عبد مجدع ، فأنت عبد ولست بأجدع ، وكان من رقيق الصدقة اسمه  مجاشع     . 
ذكر عدة حوادث 
في هذه السنة زاد  عثمان  النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء .   [ الوفيات ] 
وفيها مات  حاطب بن أبي بلتعة اللخمي   وهو من أهل بدر    . 
 [ ص: 486 ]   ( حاطب : بالحاء المهملة . وبلتعة بالباء الموحدة ، ثم التاء المثناة من فوق بوزن مقرعة ) . 
وفيها مات  عمرو بن أبي سرح الفهري  ، وكان بدريا . وفيها مات  مسعود بن الربيع  ، وقيل :  ابن ربيعة بن عمرو القاري     - من القارة - أسلم قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم  ، وشهد بدرا ، وكان عمره قد جاوز الستين . وفيها مات  عبد الله بن كعب بن عمرو الأنصاري  ، شهد بدرا ، وكان على غنائم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها وفي غيرها . وفيها مات   عبد الله بن مظعون  أخو  عثمان  وكان بدريا ،  وجبار بن صخر  ، وهو بدري أيضا . 
 [ ص: 487 ]   ( جبار : بالجيم وآخره راء ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					