ذكر معاوية وقيس بن سعد صلح
( وفيها جرى الصلح بين معاوية ، وكان وقيس بن سعد قيس امتنع من ذلك وسبب امتناعه ) أن لما علم بما يريده عبيد الله بن عباس الحسن من تسليم الأمر إلى معاوية كتب إلى معاوية يسأله الأمان لنفسه على ما أصاب من مال وغيره ، فأجابه على ذلك ، وأرسل في جيش كثيف ، فخرج إليهم عبد الله بن عامر عبيد الله ليلا وترك جنده الذين هو عليهم بغير أمير وفيهم ، فأمر ذلك الجند عليهم قيس بن سعد وتعاقدوا هو وهم على قتال قيس بن سعد معاوية حتى يشرط لشيعة علي ولمن كان معه على دمائهم وأموالهم . وقيل : إن قيسا كان هو الأمير على ذلك الجيش ( في المقدمة ، على ما ذكرناه ، وكان شديد الكراهة لإمارة ، فلما بلغه أن معاوية بن أبي سفيان الحسن بن علي صالح معاوية اجتمع معه جمع كثير وبايعوه على قتال معاوية حتى يشترط [ ص: 9 ] لشيعة علي على دمائهم وأموالهم وما كانوا أصابوا في الفتنة ، فراسله معاوية يدعوه إلى طاعته ، وأرسل إليه بسجل ، وختم على أسفله وقال له : اكتب في هذا ما شئت فهو لك . فقال عمرو لمعاوية : لا تعطه هذا وقاتله . فقال معاوية : على رسلك فإنا لا نخلص إلى قتلهم حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام ، فما خير العيش بعد ذلك ؟ فإني والله لا أقاتله أبدا حتى لا أجد من قتاله بدا .
فلما بعث إليه معاوية ذلك السجل اشترط قيس له ولشيعة علي الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال ، ولم يسأل في سجله ذلك مالا ، وأعطاه معاوية ما سأل ، ودخل قيس ومن معه في طاعته .
وكانوا يعدون دهاة الناس حين ثارت الفتنة خمسة يقال إنهم ذوو رأي العرب ومكيدتهم : معاوية ، وعمرو ، ، والمغيرة بن شعبة ، وقيس بن سعد وعبد الله بن بديل الخزاعي ، وكان قيس وابن بديل مع علي ، وكان المغيرة معتزلا بالطائف ، ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه فقال : السلام عليك أيها الملك ! فضحك سعد بن أبي وقاص معاوية وقال : ما كان عليك يا أبا إسحاق لو قلت : يا أمير المؤمنين ؟ فقال : أتقولها جذلان ضاحكا ؟ والله ما أحب أني وليتها بما وليتها به .