كان قوم من الخوارج بالبصرة يجتمعون إلى رجل اسمه جدار فيتحدثون عنده ويعيبون السلطان ، فأخذهم ابن زياد فحبسهم ثم دعا بهم وعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضا ويخلي سبيل القاتلين ، ففعلوا ، فأطلقهم ، وكان ممن قتل طواف ، فعذلهم أصحابهم وقالوا : قتلتم إخوانكم ! قالوا : أكرهنا وقد يكره الرجل على الكفر وهو مطمئن بالإيمان .
وندم طواف وأصحابه ، فقال طواف : أما من توبة ؟ فكانوا يبكون ، وعرضوا على أولياء من قتلوا الدية فأبوا ، وعرضوا عليهم القود فأبوا ولقي طواف الهثهات بن ثور السدوسي فقال له : أما ترى لنا من توبة ؟ فقال : ما أجد لك إلا آية في كتاب الله ، عز وجل ، قوله : ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم . فدعا طواف أصحابه إلى الخروج وإلى أن يفتكوا بابن زياد ، فبايعوه في سنة ثمان وخمسين ، وكانوا سبعين رجلا من بني عبد القيس بالبصرة ، فسعى بهم رجل من أصحابهم إلى ابن زياد ، فبلغ ذلك طوافا فعجل الخروج ، فخرجوا [ ص: 110 ] من ليلتهم فقتلوا رجلا ، ومضوا إلى الجلجاء ، فندب ابن زياد الشرط البخارية ، فقاتلوهم ، فانهزم الشرط حتى دخلوا البصرة واتبعوهم ، وذلك يوم عيد الفطر ، وكثرهم الناس فقاتلوا فقتلوا ، وبقي طواف في ستة نفر ، وعطش فرسه فأقحمه الماء ، فرماه البخارية بالنشاب حتى قتلوه وصلبوه ، ثم دفنه أهله ، فقال شاعر منهم :
يا رب هب لي التقى والصدق في ثبت واكف المهم فأنت الرازق الكافي
حتى أبيع التي تفنى بآخرة
تبقى على دين مرداس وطواف
وكهمس وأبي الشعثاء إذ نفروا
إلى الإله ذوي أخباب زحاف