ذكر ولاية   عقبة بن نافع  إفريقية  ثانية وما افتتحه فيها وقتله  
قد ذكرنا عزل  عقبة  عن إفريقية  وعوده إلى الشام  ، فلما وصل إلى  معاوية  وعده بإعادته إلى إفريقية  ، وتوفي  معاوية  وعقبة  في الشام  ، فاستعمله  يزيد  على إفريقية  في هذه السنة وأرسله إليها ، فوصل إلى القيروان  مجدا ، وقبض  أبا المهاجر  أميرها وأوثقه في الحديد وترك بالقيروان  جندا مع الذراري والأموال واستخلف بها  زهير بن قيس البلوي  ، وأحضر أولاده ، فقال له : إني قد بعت نفسي من الله ، عز وجل ، فلا أزال أجاهد من كفر بالله . وأوصى بما يفعل بعده . 
ثم سار في عسكر عظيم حتى دخل مدينة باغاية  ، وقد اجتمع بها خلق كثير من الروم  ، فقاتلوه قتالا شديدا وانهزموا عنه وقتل فيهم قتلا ذريعا وغنم منهم غنائم كثيرة ، ودخل المنهزمون المدينة وحاصرهم  عقبة     . 
ثم كره المقام عليهم فسار إلى بلاد الزاب  ، وهي بلاد واسعة فيها عدة مدن وقرى كثيرة ، فقصد مدينتها العظمى واسمها أربة  ، فامتنع بها من هناك من الروم  والنصارى  ، وهرب بعضهم إلى الجبال ، فاقتتل المسلمون ومن بالمدينة من النصارى  عدة دفعات ثم انهزم النصارى  وقتل كثير من فرسانهم ، ( ورحل إلى تاهرت    ) . 
فلما بلغ الروم  خبره استعانوا بالبربر  فأجابوهم ونصروهم ، فاجتمعوا في جمع كثير والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا ، واشتد الأمر على المسلمين لكثرة العدو ، ثم إن الله   [ ص: 206 ] تعالى نصرهم فانهزمت الروم  والبربر  وأخذهم السيف وكثر فيهم القتل وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم . 
ثم سار حتى نزل على طنجة  فلقيه بطريق من الروم  اسمه  يليان  فأهدى له هدية حسنة ونزل على حكمه ، ثم سأله عن الأندلس  فعظم الأمر عليه ، فسأله عن البربر  ، فقال : هم كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله ، وهم بالسوس  الأدنى ، وهم كفار لم يدخلوا في النصرانية ولهم بأس شديد . 
فسار  عقبة  إليهم نحو السوس  الأدنى ، وهي مغرب طنجة  ، فانتهى إلى أوائل البربر  ، فلقوه في جمع كثير ، فقتل فيهم قتلا ذريعا وبعث خيله في كل مكان هربوا إليه ، وسار هو حتى وصل إلى السوس  الأقصى ، وقد اجتمع له البربر  في عالم لا يحصى ، فلقيهم وقاتلهم وهزمهم ، وقتل المسلمون فيهم حتى ملوا وغنموا منهم وسبوا سبيا كثيرا ، وسار حتى بلغ ماليان  ورأى البحر المحيط ، فقال : يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدا في سبيلك . 
ثم عاد فنفر الروم  والبربر  عن طريقه خوفا منه ، واجتاز بمكان يعرف اليوم بماء الفرس  فنزله ، ولم يكن به ماء ، فلحق الناس عطش كثير أشرفوا [ منه ] على الهلاك ، فصلى  عقبة  ركعتين ودعا ( فبحث فرس له الأرض بيديه فكشف له عن صفاة ) فانفجر الماء ، فنادى عقبة في الناس فحفروا أحساء كثيرة وشربوا ، فسمي ماء الفرس . 
فلما وصل إلى مدينة طبنة  ، وبينها وبين القيروان  ثمانية أيام ، أمر أصحابه أن يتقدموا فوجا فوجا ثقة منه بما نال من العدو ، وأنه لم يبق أحدا يخشاه ، وسار إلى تهوذة  لينظر إليها في نفر يسير ، فلما رآه الروم  في قلة طمعوا فيه فأغلقوا باب الحصن وشتموه وقاتلوه وهو يدعوهم إلى الإسلام فلم يقبلوا منه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					