في هذه السنة قتل عمير بن الحباب بن جعدة السلمي ، ونحن نذكر سبب الحرب بين قيس وتغلب حتى آل الأمر إلى قتل عمير .
وكان سبب ذلك أنه لما انقضى أمر مرج راهط ، وسار زفر بن الحارث الكلائي إلى قرقيسيا ، على ما ذكرناه ، وبايع عمير وفي نفسه ما فيها بسبب قتل مروان بن الحكم قيس بالمرج ، فلما سير مروان بن الحكم إلى عبيد الله بن زياد الجزيرة والعراق كان عمير معه ، فلقوا سليمان بن صرد بعين الوردة ، وسار عبيد الله إلى قرقيسيا لقتال زفر ، فثبطه عمير ، وأشار عليه بالمسير إلى الموصل قبل وصول جيش المختار إليها ، وسار إليها ولقي إبراهيم بن الأشتر بالخازر ، فمال عمير معه ، فانهزم جيش عبيد الله وقتل هو ، فأتى عمير قرقيسيا وصار مع زفر ، فجعلا يطلبان كلبا واليمانية بمن قتلوا من قيس ، وكان معهما قوم من تغلب يقاتلون معهما ويدلونهما .
[ ص: 366 ] وشغل عبد الملك عنهما بمصعب ، وتغلب عمير على نصيبين . ثم إنه مل المقام بقرقيسيا ، فاستأمن إلى عبد الملك فآمنه ، ثم غدر به فحبسه عند مولاه الريان ، فسقاه عمير ومن معه من الحرس خمرا حتى أسكرهم ، وتسلق في سلم من حبال ، وخرج من الحبس وعاد إلى الجزيرة ، ونزل على نهر البليخ بين حران والرقة ، فاجتمعت إليه قيس ، فكان يغير بهم على كلب واليمانية ، وكان من معه يستأوون جواري تغلب ، ويسخرون مشايخهم من النصارى ، فهاج ذلك بينهم شرا لم يبلغ الحرب ، وذلك قبل مسير عبد الملك إلى مصعب وزفر .
ثم إن عميرا أغار على كلب ، ثم رجع فنزل على الخابور ، وكانت منازل تغلب بين الخابور والفرات ودجلة . وكانت بحيث نزل عمير امرأة من تميم ناكح في تغلب يقال لها أم دويل ، فأخذ غلام من بني الحريش أصحاب عمير عددا من غنمها ، فشكت إلى عمير ، فلم يمنع عنها ، فأخذوا الباقي ، فمانعهم قوم من تغلب ، فقتل رجل منهم يقال له مجاشع التغلبي ، وجاء دويل فشكت أمه إليه ، وكان فارسا من فرسان تغلب ، فسار في قومه ، وجعل يذكرهم ما تصنع بهم قيس ، ويشكوا إليهم ما أخذ من غنم أمه ، فاجتمع منهم جماعة ، وأمروا عليهم شعيث بن مليك التغلبي ، وأغاروا على بني الحريش ومعهم قوم من نمير ، فقتل فيهم التغلبيون ، واستاقوا ذودا لامرأة منهم يقال لها أم الهيثم ، فمانعهم القيسيون فلم يقدروا على منعهم ، فقال الأخطل :
فإن تسألونا بالحريش فإننا منينا بنوك منهم وفجور غداة تحامتنا الحريش كأنها
كلاب بدت أنيابها لهرير وجاؤوا بجمع ناصر أم هثيم
فما رجعوا من ذودها ببعير