ذكر ابن الزبير وسيرته عمر
كان له من العمر حين قتل اثنتان وسبعون سنة ، وكانت خلافته تسع سنين ، لأنه بويع له سنة أربع وستين ، وكانت له جمة مفروقة طويلة .
قال : كان ابن الزبير إذا سجد وقعت العصافير على ظهره ، تظنه حائطا لسكونه وطول سجوده . وقال غيره : قسم يحيى بن وثاب عبد الله الدهر ثلاث حالات : فليلة قائم حتى الصباح ، وليلة راكع حتى الصباح ، وليلة ساجد حتى الصباح .
وقيل : أول ما علم من همة ابن الزبير أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبي ، فمر به رجل فصاح عليهم ففروا ، ومشى ابن الزبير القهقرى وقال : يا صبيان ، اجعلوني أميركم ، وشدوا بنا عليه . ففعلوا . ومر به وهو يلعب ، ففر [ ص: 408 ] الصبيان ووقف هو ، فقال له عمر بن الخطاب عمر : ما لك لم تفر معهم ؟ فقال : لم أجرم فأخافك ، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك .
وقال قطن بن عبد الله : كان ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة . قال : كان خالد بن أبي عمران ابن الزبير يفطر في الشهر ثلاثة أيام ، ومكث أربعين سنة لم ينزع ( ثيابه عن ظهره ) .
وقال مجاهد : لم يكن باب من أبواب العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه ابن الزبير ، ولقد جاء سيل طبق البيت ، فجعل ابن الزبير يطوف سباحة . قال : كان أول ما أفصح به عمي هشام بن عروة عبد الله بن الزبير وهو صغير - السيف ، فكان لا يضعه من يده ، فكان الزبير يقول : والله ليكونن لك منه يوم وأيام . قال : قال ابن سيرين ابن الزبير : ما شيء كان يحدثنا به كعب إلا وقد جاء على ما قال إلا قوله : فتى ثقيف يقتلني ، وهذا رأسه بين يدي - يعني المختار - . قال : ولا يشعر ابن سيرين ابن الزبير أن الحجاج قد خبئ له .
وقال عبد العزيز بن أبي جميلة الأنصاري : إن مر ابن عمر بابن الزبير وهو مصلوب بعد قتله فقال : رحمك الله أبا خبيب ! إنك كنت لصواما قواما ، ولقد أفلحت قريش إن كنت شرها .
وكان الحجاج قد صلبه ، ثم ألقاه في مقابر اليهود ، وأرسل إلى أمه يستحضرها ، فلم تحضر ، فأرسل إليها : لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك . فلم تأته ، فقام إليها . فلما حضر قال لها : كيف رأيتني صنعت بعبد الله ؟ قالت : رأيتك أفسدت على ابني دنياه ، وأفسد عليك آخرتك ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثنا، فأما الكذاب ) فقد رأيناه - تعني أن في ثقيف ( كذابا ومبيرا المختار - وأما المبير فأنت هو . وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه .
[ ص: 409 ] وقال ابن الزبير لعبد الله بن جعفر : أتذكر يوم لقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وأنت ، فأخذ ابني فاطمة ؟ فقال : نعم فحملنا وتركك . ولو علم أنه يقول له هذا ما سأله .