[ ص: 24 ] آدم - عليه السلام - قصة إبليس - لعنه الله - وابتداء أمره ، وإطغائه
فأولهم ، وإمامهم ، ورئيسهم إبليس . وكان الله تعالى قد حسن خلقه ، وشرفه ، وملكه على سماء الدنيا والأرض فيما ذكر ، وجعله مع ذلك خازنا من خزان الجنة ، فاستكبر على ربه ، وادعى الربوبية ، ودعا من كان تحت يده إلى عبادته ، فمسخه الله تعالى شيطانا رجيما ، وشوه خلقه ، وسلبه ما كان خوله ، ولعنه ، وطرده عن سماواته في العاجل ، ثم جعل مسكنه ، ومسكن أتباعه في الآخرة نار جهنم ، نعوذ بالله تعالى من نار جهنم ، ونعوذ بالله تعالى من غضبه ، ومن الحور بعد الكور .
ونبدأ بذكر الأخبار عن السلف بما كان الله أعطاه من الكرامة ، وبادعائه ما لم يكن له ، ونتبع ذلك بذكر أحداث في سلطانه وملكه إلى حين زوال ذلك عنه ، والسبب الذي به زال عنه ، إن شاء الله تعالى .
ذكر الأخبار بما كان لإبليس - لعنه الله - من الملك ، وذكر الأحداث في ملكه
وروي عن ، ابن عباس أن إبليس كان له ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن . وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة . وكان إبليس مع [ ص: 25 ] ملكه خازنا ، قال وابن مسعود : ثم إنه عصى الله تعالى فمسخه شيطانا رجيما . ابن عباس
وروي عن قتادة في قوله تعالى : ومن يقل منهم إني إله من دونه إنما كانت هذه الآية في إبليس خاصة لما قال لعنه الله تعالى وجعله شيطانا رجيما ، وقال : فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين وروي عن مثله . ابن جريج
وأما الأحداث التي كانت في ملكه ، وسلطانه فمنها ما روي عن الضحاك ، عن قال : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن ، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة ، وكان خازنا من خزان الجنة ، قال : وخلقت الملائكة من نور ، وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وخلق الإنسان من طين ، فأول من سكن في الأرض الجن ، فاقتتلوا فيها ، وسفكوا الدماء ، وقتل بعضهم بعضا ، قال : فبعث الله تعالى إليهم إبليس في جند من الملائكة ، وهم هذا الحي الذين يقال لهم الجن ، فقاتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور ، وأطراف الجبال . فلما فعل ذلك اغتر في نفسه ، وقال : قد صنعت ما لم يصنعه أحد . فاطلع الله تعالى على ذلك من قلبه ، ولم يطلع عليه أحد من الملائكة الذين معه . وروي عن ابن عباس أنس نحوه .
وروى أبو صالح ، عن ، ابن عباس ، عن ومرة الهمداني أنهما قالا : لما فرغ الله تعالى من خلق ما أحب استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن ، وإنما سموا الجن لأنهم من خزنة الجنة . وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في نفسه كبر ، وقال : ما أعطاني الله تعالى هذا الأمر إلا لمزية لي على الملائكة . فاطلع الله على ذلك منه فقال : إني جاعل في الأرض خليفة . ابن مسعود
[ ص: 26 ] قال : وكان اسمه عزازيل ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، فدعاه ذلك إلى الكبر . وهذا قول ثالث في سبب كبره . ابن عباس
وروى عكرمة ، عن أن الله تعالى خلق خلقا ، فقال : اسجدوا ابن عباس لآدم ، فقالوا : لا نفعل . فبعث عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق خلقا آخر ، فقال : إني خالق بشرا من طين ، فاسجدوا لآدم . فأبوا ، فبعث الله تعالى عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق هؤلاء الملائكة ، فقال : اسجدوا لآدم . قالوا : نعم . وكان إبليس من أولئك الذين لم يسجدوا .
وقال : إن إبليس كان من الجن الذين سكنوا الأرض ، وطردتهم الملائكة ، وأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء . وروي عن شهر بن حوشب نحو ذلك . سعيد بن مسعود
وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كما قال الله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه وجائز أن يكون فسوقه من إعجابه بنفسه لكثرة عبادته ، واجتهاده ، وجائز أن يكون لكونه من الجن .
( ، بسكون الميم ، والدال المهملة نسبة إلى ومرة الهمداني همدان : قبيلة كبيرة من اليمن )