ذكر محاربة  أسا بن أبيا  ورزح الهندي   
قيل : كان  أسا بن أبيا  رجلا صالحا ، وكان أبوه قد عبد الأصنام ودعا الناس إلى عبادتها ، فلما ملك ابنه  أسا  أمر مناديا فنادى : ألا إن الكفر قد مات وأهله ، وعاش الإيمان وأهله ، فليس كافر في بني إسرائيل  يطلع رأسه بكفر إلا قتلته ، فإن الطوفان لم يغرق الدنيا وأهلها ولم يخسف بالقرى ولم تمطر الحجارة والنار من السماء إلى الأرض إلا بترك طاعة الله والعمل بمعصيته ! وشدد في ذلك . 
فأتى بعضهم ممن كان يعبد الأصنام ويعمل بالمعاصي إلى أم  أسا   الملك ، وكانت تعبد الأصنام ، فشكوا إليها ، فجاءت إليه ونهته عما كان يفعله وبالغت في زجره ، فلم يصغ إلى قولها بل تهددها على عبادة الأصنام وأظهر البراءة منها ، فحينئذ أيس الناس منه وانتزح من كان يخافه وساروا إلى الهند    . 
وكان بالهند  ملك يقال له  رزح  ، وكان جبارا عاتيا عظيم السلطان قد أطاعه أكثر البلاد ، وكان يدعو الناس إلى عبادته ، فوصل إليه أولئك النفر من بني إسرائيل  وشكوا إليه ملكهم ووصفوا له البلاد وكثرتها وقلة عسكرها ، وضعف ملكها ، وأطمعوه فيها . 
فأرسل الجواسيس فأتوه بأخبارها ، فلما تيقن الخير جمع العساكر وسار إلى الشام  في البحر ، وقال له بنو إسرائيل    : إن  لأسا  صديقا ينصره ويعينه ، قال : فأين  أسا  وصديقه من كثرة عساكري وجنودي ! 
 [ ص: 219 ] وبلغ خبره إلى  أسا  ، فتضرع إلى الله وأظهر الضعف والعجز عن الهندي وسأل الله النصرة عليه ، فاستجاب الله له وأراه في المنام : إني سأظهر من قدرتي في  رزح الهندي  وعساكره ما أكفيك شرهم وأغنمكم أموالهم حتى يعلم أعداؤك أن صديقك لا يطاق وليه ولا ينهزم جنده . 
ثم سار  رزح  حتى أرسى بالساحل ، وسار إلى بيت المقدس  ، فلما صار على مرحلتين منه فرق عساكره ، فامتلأت منهم تلك الأرض وملئت قلوب بني إسرائيل  رعبا ، وبعث  أسا  العيون فعادوا وأخبروه من كثرتهم بما لم يسمع بمثله ، وسمع الخبر بنو إسرائيل  فصاحوا ، وبكوا ، وودع بعضهم بعضا وعزموا على أن يخرجوا إلى  رزح  ويستسلموا إليه وينقادوا له . فقال لهم ملكهم : إن ربي وعدني بالظفر ولا خلف لوعده ، فعاودوا الدعاء والتضرع . ففعلوا ودعوا جميعهم وتضرعوا ، فزعموا أن الله أوحى إليه : يا  أسا  ، إن الحبيب لا يسلم حبيبه ، وأنا الذي أكفيك عدوك فإنه لا يهون من توكل علي ، ولا يضعف من تقوى بي وقد كنت تذكرني في الرخاء فلا أسلمك في الشدة ، وسأرسل بعض الزبانية يقتلون أعدائي . فاستبشر وأخبر بني إسرائيل  فأما المؤمنون فاستبشروا وأما المنافقون فكذبوه . 
وأمره الله بالخروج إلى  رزح  في عساكره ، فخرج في نفر يسير ، فوقفوا على رابية من الأرض ينظرون إلى عساكره ، فلما رآهم  رزح  احتقرهم واستصغرهم وقال : إنما خرجت من بلادي وجمعت عساكري وأنفقت أموالي لهذه الطائفة ! ودعا النفر من بني إسرائيل  الذين قصدوه ، والجواسيس الذين أرسلهم ليختبروا له وقال : كذبتموني ، وأخبرتموني بكثرة بني إسرائيل  حتى جمعت العساكر ، وفرقت أموالي ! ثم أمر بهم فقتلوا ، وأرسل إلى  أسا  يقول له : أين صديقك الذي ينصرك ويخلصك من سطوتي ؟ فأجابه  أسا     : يا شقي ، إنك لا تعلم ما تقول ! أتريد أن تغالب الله بقوتك أم تكاثره بقلتك ؟ وهو معي في موقفي هذا ، ولن يغلب أحد كان الله معه ، وستعلم ما يحل بك ! 
فغضب  رزح  من قوله وصف عساكره وخرج إلى قتال  أسا  وأمر الرماة فرموهم بالسهام ، وبعث الله من الملائكة مددا لبني إسرائيل  ، فأخذوا السهام ورموا بها الهنود ، فقتلت كل إنسان منهم نشابته ، فقتل جميع الرماة ، فضج بنو إسرائيل  بالتسبيح والدعاء ، وتراءت الملائكة للهنود ، فلما رآهم  رزح  ألقى الله الرعب في قلبه وسقط في يده ونادى   [ ص: 220 ] في عساكره يأمرهم بالحملة عليهم ، ففعلوا فقتلتهم الملائكة ولم يبق منهم غير  رزح  وعبيده ونسائه ، فلما رأى ذلك ولى هاربا وهو يقول : قتلني صديق  أسا     . 
فلما رآه  أسا  مدبرا قال : اللهم إنك لم تهلكه استنفر علينا نائبه . وبلغ  رزح  ومن معه إلى البحر فركبوا السفن ، فلما سارت بهم أرسل الله عليهم الرياح فأغرقتهم أجمعين . 
ثم ملك بعد  أسا  ابنه  سافاط  إلى أن هلك خمسا وعشرين سنة ، ثم ملكت عزليا بنت عمرم  أم  أخزيا   ، وكانت قتلت أولاد ملوك بني إسرائيل  ولم يبق منهم إلا  يواش بن أخزيا  ، وهو ابن ابنها ، فإنه ستر عنها ، ثم قتلها  يواش  وأصحابه ، وكان ملكها سبع سنين ، ثم ملك  يواش  أربعين سنة . ثم قتله أصحابه وهو الذي قتل جدته ، ثم ملك  عوزيا بن أمصيا بن يواش     . ويقال له  غوزيا  ، إلى أن توفي اثنتين وخمسين سنة . 
 [ ص: 221 ] ثم ملك  يوثام بن عوزيا  إلى أن توفي . ست عشرة سنة ، ثم ملك  حزقيا بن أحاز  إلى أن توفي . فيقال : إنه صاحب شعيا  الذي أعلمه شعيا  انقضاء عمره ، فتضرع إلى ربه فزاده ، وأمر شعيا  بإعلامه ذلك ، وقيل إن صاحب شعيا  في هذه القصة اسمه  صدقيا  ، على ما يرد ذكره . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					