[ ص: 481 ]   80 
ثم دخلت سنة ثمانين 
في هذه السنة أتى سيل بمكة  فذهب بالحجاج  ، وكان يحمل الإبل عليها الأحمال والرجال ما لأحد فيهم حيلة ، وغرقت بيوت مكة  ، وبلغ السيل الركن ، فسمي ذلك العام الجحاف . 
وفي هذه السنة وقع بالبصرة  طاعون الجارف . 
ذكر غزوة  المهلب  ما وراء النهر   
في هذه السنة قطع  المهلب  نهر بلخ  ونزل على كش  ، وكان على مقدمته  أبو الأدهم الزماني  في ثلاثة آلاف ، وهو في خمسة آلاف ، وكان  أبو الأدهم  يغني غناء ألفين في البأس والتدبير والنصيحة ، فأتى  المهلب  وهو نازل على كش  ابن عم ملك الختل  ، فدعاه إلى غزو الختل  ، فوجه معه ابنه  يزيد  ، وكان اسم ملك الختل  الشبل  ، فنزل  يزيد  ونزل ابن عم الملك ناحية ، فبيته الشبل وأخذه فقتله ، وحصر يزيد قلعة الشبل ، فصالحوه على فدية حملت إليه ، ورجع يزيد عنهم ، ووجه  المهلب  ابنه  حبيبا  فوافى صاحب بخارى  في أربعين ألفا ، فنزل جماعة من العدو  قرية ، فسار إليهم  حبيب  في أربعة آلاف فقتلهم وأحرق القرية ، فسميت المحترقة  ، ورجع  حبيب  إلى أبيه . 
وأقام  المهلب  بكش  سنتين ، فقيل له : لو تقدمت إلى ما وراء ذلك . فقال : ليت حظي من هذه الغزاة سلامة هذا الجند وعودهم سالمين . 
 [ ص: 482 ] ولما كان  المهلب  بكش  أتاهم قوم من مضر  ، فحبسهم بها ، فلما رجع أطلقهم ، فكتب إليه  الحجاج     : إن كنت أصبت بحبسهم ، فقد أخطأت بإطلاقهم ، وإن كنت أصبت بإطلاقهم ، فقد ظلمتهم إذ حبستهم . فكتب  المهلب     : خفتهم وحبستهم ، فلما أمنتهم خليتهم . وكان فيمن حبس  عبد الملك بن أبي شيخ القشيري     . 
وصالح  المهلب  أهل كش   على فدية يأخذها منهم ، وأتاه كتاب   ابن الأشعث  بخلع  الحجاج  ويدعوه إلى مساعدته ، فبعث بكتابه إلى  الحجاج  وأقام بكش    . 
ذكر تسيير الجنود إلى  رتبيل  مع   عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث   
قد ذكرنا حال المسلمين حين دخل بهم  ابن أبي بكرة  بلاد رتبيل  ، واستأذن  الحجاج  عبد الملك  في تسيير الجنود نحو  رتبيل  ، فأذن له  عبد الملك  في ذلك ، فأخذ  الحجاج  في تجهيز الجيش ، فجعل على أهل الكوفة   عشرين ألفا ، وعلى أهل البصرة   عشرين ألفا ، وجد في ذلك ، وأعطى الناس أعطياتهم كملا ، وأنفق فيهم ألفي ألف سوى أعطياتهم ، وأنجدهم بالخيل الرائقة والسلاح الكامل ، وأعطى كل رجل يوصف بشجاعة وغناء ، منهم  عبيد بن أبي محجن الثقفي  وغيره . 
فلما فرغ من أمر الجندين بعث عليهم   عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث  ، وكان  الحجاج  يبغضه ويقول : ما رأيته قط إلا أردت قتله . وسمع   الشعبي  ذلك من  الحجاج  ذات يوم فأخبر  عبد الرحمن  به ، فقال : والله لأحاولن أن أزيل  الحجاج  عن سلطانه . فلما أراد  الحجاج  أن يبعث  عبد الرحمن  على ذلك الجيش أتاه  إسماعيل بن الأشعث  فقال له : لا تبعثه ، فوالله ما جاز جسر الفرات  فرأى لوال عليه طاعة ، وإني أخاف خلافه . فقال  الحجاج     : هو أهيب لي من أن يخالف أمري . وسيره على ذلك الجيش ، فسار بهم حتى قدم سجستان  ، فجمع أهلها فخطبهم ثم قال : إن  الحجاج  ولاني ثغركم ، وأمرني بجهاد   [ ص: 483 ] عدوكم الذي استباح بلادكم ، فإياكم أن يتخلف منكم أحد ، فتمسه العقوبة . 
فعسكروا مع الناس وتجهزوا ، وسار بأجمعهم ، وبلغ الخبر  رتبيل  ، فأرسل يعتذر ويبذل الخراج ، فلم يقبل منه ، وسار إليه ودخل بلاده ، وترك له  رتبيل  أرضا أرضا ، ورستاقا رستاقا ، وحصنا حصنا ،  وعبد الرحمن  يحوي ذلك ، وكلما حوى بلدا بعث إليه عاملا ، وجعل معه أعوانا ، وجعل الأرصاد على العقاب والشعاب ، ووضع المسالح بكل مكان مخوف ، حتى إذا جاز من أرضه [ أرضا ] عظيمة ، وملأ الناس أيديهم من الغنائم العظيمة - منع الناس من الوغول في أرض  رتبيل  ، وقال : نكتفي بما قد أصبناه العام من بلادهم حتى نجبيها ونعرفها ، ويجترئ المسلمون على طرقها ، وفي العام المقبل نأخذ ما وراءها إن شاء الله - تعالى - حتى نقاتلهم في آخر ذلك على كنوزهم وذراريهم وأقصى بلادهم ، حتى يهلكهم الله - تعالى - . 
ثم كتب إلى  الحجاج  بما فتح الله عليه ، وبما يريد أن يعمل . 
وقد قيل في إرسال  عبد الرحمن  غير ما ذكرنا ، وهو أن  الحجاج  كان قد ترك بكرمان  هميان بن عدي السدوسي  ، يكون بها مسلحة إن احتاج إليه عامل سجستان  والسند ، فعصى  هميان  ، فبعث إليه  الحجاج  عبد الرحمن بن محمد  ، فحاربه فانهزم  هميان  ، وأقام  عبد الرحمن  بموضعه . ثم إن   عبيد الله بن أبي بكرة  مات ، وكان عاملا على سجستان  ، فكتب  الحجاج  لعبد الرحمن  عهده عليها ، وجهز إليه هذا الجيش ، فكان يسمى جيش الطواويس لحسنه . 
ذكر عدة حوادث 
وحج بالناس هذه السنة   أبان بن عثمان  ، وكان أمير المدينة     . وكان على العراق  والمشرق  الحجاج  ، وكان على خراسان  المهلب  من قبل  الحجاج  ، وكان على قضاء البصرة  موسى بن أنس  ، وعلى قضاء الكوفة  أبو بردة     . 
 [ ص: 484 ]   [ الوفيات ] 
وفي هذه السنة مات   أسلم مولى عمر بن الخطاب     . وفيها توفي   أبو إدريس الخولاني     . وفيها مات   عبد الله بن جعفر بن أبي طالب   ، وقيل سنة أربع ، وقيل سنة خمس ، وقيل سنة ست وثمانين ، وقيل سنة تسعين . وفيها قتل   معبد بن عبد الله بن عكيم الجهني   الذي يروي حديث الدباغ ، وهو أول من قال بالقدر في البصرة  ، قتله  الحجاج  ، وقيل : قتله   عبد الملك بن مروان  بدمشق    . 
وفيها توفي   محمد بن علي بن أبي طالب ، وهو ابن الحنفية     . وفيها توفي   جنادة بن أبي أمية  ، وله صحبة  ، وكان على غزو البحر أيام  معاوية  كلها . وفيها مات   السائب بن يزيد بن أخت النمر   ، وقيل : سنة ست وثمانين ، ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفيها توفي   سويد بن غفلة  ، ( بفتح الغين المعجمة والفاء ) . 
وفيها توفي   عبد الله بن أبي أوفى  ، وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة    .   وجبير بن نفير بن مالك الحضرمي  ، أدرك الجاهلية ، وليس له صحبة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					