ذكر بمسكن الوقعة
ولما انهزم عبد الرحمن أتى البصرة ، واجتمع إليه من المنهزمين جمع كثير ، وكان فيهم عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس القرشي ، وكان بالمدائن ، فسار إليه محمد بن سعد بن أبي وقاص الحجاج ، فلحق ابن سعد بعبد الرحمن ، وسار عبد الرحمن نحو الحجاج ومعه جمع كثير فيهم بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني ، وقد بايعه خلق كثير على الموت ، فاجتمعوا بمسكن ، وخندق عبد الرحمن على أصحابه ، وجعل القتال من وجه واحد .
وقدم عليه خالد بن جرير بن عبد الله من خراسان في ناس من بعث الكوفة ، فاقتتلوا خمسة عشر يوما من شعبان أشد قتال ، فقتل زياد بن غيثم القيني ، وكان على مسالح الحجاج ، فهده ذلك وهد أصحابه . وبات الحجاج يحرض أصحابه ، ولما أصبحوا باكروا القتال ، فاقتتلوا أشد قتال كان بينهم ، فانكشفت خيل سفيان بن الأبرد ، فأمر الحجاج عبد الملك بن المهلب فحمل على أصحاب عبد الرحمن ، وحمل أصحاب الحجاج من كل جانب ، فانهزم عبد الرحمن وأصحابه ، وقتل ، عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه ، ومشى بسطام وأبو البختري الطائي بن مصقلة بن هبيرة في أربعة آلاف فارس من شجعان أهل الكوفة والبصرة ، فكسروا جفون سيوفهم ، وحث أصحابه على القتال ، فحملوا على أهل الشام فكشفوهم مرارا ، فدعا الحجاج الرماة فرموهم ، وأحاط بهم الناس ، فقتلوا إلا قليلا ، ومضى نحو ابن الأشعث سجستان .
وقد قيل في هزيمة عبد الرحمن بمسكن غير هذا ، والذي قيل : إنه اجتمع هو والحجاج بمسكن ، وكان عسكر ابن الأشعث والحجاج بين دجلة والسيب والكرخ ، فاقتتلوا شهرا ودونه ، فأتى شيخ فدل الحجاج على طريق من وراء الكرخ في أجمة وضحضاح من الماء ، فأرسل معه أربعة آلاف وقال لقائدهم : إن صدق فأعطه ألف درهم ، فإن كذب فاقتله . فسار بهم ، ثم إن الحجاج قاتل أصحاب عبد الرحمن ، فانهزم [ ص: 505 ] الحجاج فعبر السيب ، ورجع إلى عسكره آمنا ، ونهب عسكر ابن الأشعث الحجاج فأمنوا وألقوا السلاح ، فلم يشعروا نصف الليل إلا والسيف يأخذهم من تلك السرية ، فغرق من أصحاب عبد الرحمن أكثر ممن قتل ، ورجع الحجاج في عسكره على الصوت ، فقتلوا من وجدوا ، فكان عدة من قتل أربعة آلاف ، منهم : ، عبد الله بن شداد بن الهاد وبسطام بن مصقلة ، وعمرو بن ضبيعة الرقاشي ، وبشر بن المنذر بن الجارود ، وغيرهم .