ذكر بختنصر العرب غزو
قيل : أوحى الله إلى برخيا بن حنيا يأمره أن يقول لبختنصر ليغزو العرب فيقتل مقاتلتهم ويسبي ذراريهم ، ويستبيح أموالهم عقوبة لهم على كفرهم . فقال برخيا لبختنصر ما أمر به ، فابتدأ بمن في بلاده من تجار العرب فأخذهم وبنى لهم حيرا [ ص: 237 ] بالنجف وحبسهم فيه ووكل بهم ، وانتشر الخبر في العرب ، فخرجت إليه الطوائف منهم مستأمنين ، فقبلهم وعفا عنهم فأنزلهم السواد ، فابتنوا الأنبار وخلى عن أهل الحيرة فاتخذوها منزلا حياة بختنصر .
فلما مات انضموا إلى أهل الأنبار ، وهذا أول سكنى العرب السواد بالحيرة والأنبار . وسار إلى العرب بنجد والحجاز ، فأوحى الله إلى برخيا وإرميا يأمرهما أن يسيرا إلى معد بن عدنان فيأخذاه ويحملاه إلى حران ، وأعلمهما أنه يخرج من نسله محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي يختم به الأنبياء ، فسارا تطوى لهما المنازل والأرض حتى سبقا بختنصر إلى معد فحملاه إلى حران في ساعتهما ، ولمعد حينئذ اثنتا عشرة سنة ، وسار بختنصر فلقي جموع العرب فقاتلهم فهزمهم وأكثر القتل فيهم ، وسار إلى الحجاز فجمع عدنان العرب والتقى هو وبختنصر بذات عرق فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم عدنان وتبعه بختنصر إلى حصون هناك ، واجتمع عليه العرب وخندق كل واحد من الفريقين على نفسه وأصحابه ، فكمن بختنصر كمينا ، وهو أول كمين عمل ، وأخذتهم السيوف ، فنادوه بالويل ، ونهى عدنان عن بختنصر ، وبختنصر عن عدنان ، فافترقا .
فلما رجع بختنصر خرج معد بن عدنان مع الأنبياء حتى أتى مكة ، فأقام أعلامها ، وحج معه الأنبياء ، وخرج معد حتى أتى ريسوت وسأل عمن بقي من ولد الحرث بن مضاض الجرهمي ، فقيل له : بقي جوشم بن جلهمة ، فتزوج معد ابنته معانة ، فولدت له نزار بن معد .