[ ص: 106 ] ذكر الجراح واستعمال عبد الرحمن بن نعيم القشيري وعبد الرحمن بن عبد الله
وقيل : في هذه السنة عزل عزل عمر عن الجراح بن عبد الله الحكمي خراسان ، واستعمل عليها عبد الرحمن بن نعيم القشيري ، وكان عزل الجراح في رمضان .
كان سبب ذلك أن يزيد لما عزل عن خراسان أرسل عامل العراق عاملا على جرجان ، فأخذ جهم بن زحر الجعفي ، وكان على جرجان عاملا ، فحبسه وقيده ، وحبس رهطا قدموا معه ، ثم خرج إلى ليزيد بن المهلب الجراح بخراسان ، فأطلق أهل جرجان عاملهم ، وقال الجراح لجهم : لولا أنك ابن عمي لم أسوغك هذا . فقال جهم : ولولا أنك ابن عمي لم آتك .
وكان جهم سلف الجراح من قبل ابنتي الحصين بن الحارث ، وأما كونه ابن عمه فلأن الحكم والجعفي ابنا سعد القشيري .
فقال له الجراح : خالفت إمامك ، فاغز لعلك تظفر ، فيصلح أمرك عنده . فوجهه إلى الختل ، فغنم منهم ورجع ، وأوفد الجراح إلى عمر وفدا ، رجلين من العرب ، ورجلا من الموالي يكنى أبا الصيد ، فتكلم العربيان والمولى ساكت ، فقال عمر : ما أنت من الوفد ؟ قال : بلى . قال : فما يمنعك من الكلام ؟ فقال : يا أمير المؤمنين عشرون ألفا من الموالي يغزون بلا عطاء ولا رزق ، ومثلهم قد أسلموا من الذمة يؤخذون بالخراج ، فأميرنا عصبي جاف يقوم على منبرنا ، فيقول : أتيتكم حفيا ، وأنا اليوم عصبي ، والله لرجل من قومي أحب إلي من مائة من غيرهم . وهو بعد سيف من سيوف الحجاج ، قد عمل بالظلم والعدوان . قال عمر : إذن بمثلك يوفد .
فكتب عمر إلى الجراح : انظر من صلى قبلك [ إلى القبلة ] فضع عنه الجزية . فسارع الناس إلى الإسلام ، فقيل للجراح : إن الناس قد سارعوا إلى الإسلام نفورا من الجزية ، فامتحنهم بالختان . فكتب الجراح بذلك إلى عمر ، فكتب عمر إليه : إن الله بعث [ ص: 107 ] محمدا صلى الله عليه وسلم ، داعيا ولم يبعثه خاتنا ، وقال : إيتوني رجلا صدوقا أسأله عن خراسان . فقيل له : عليك بأبي مجلز . فكتب إلى الجراح : أن أقبل واحمل أبا مجلز ، وخلف على حرب خراسان عبد الرحمن بن نعيم العامري . فخطب الجراح وقال : يا أهل خراسان جئتكم في ثيابي هذه التي علي وعلى فرسي ، لم أصب من مالكم إلا حلية سيفي . ولم يكن عنده إلا فرس وبغلة . فسار عنهم ، فلما قدم على عمر قال : متى خرجت ؟ قال : في شهر رمضان . قال : صدق من وصفك بالجفاء ، هلا أقمت حتى تفطر ثم تخرج !
وكان الجراح كتب إلى عمر : إني قدمت خراسان ، فوجدت قوما قد أبطرتهم الفتنة ، فأحب الأمور إليهم أن يعودوا ليمنعوا حق الله عليهم ، فليس يكفهم إلا السيف والسوط ، فكرهت الإقدام على ذلك إلا بإذنك . فكتب إليه عمر : يا ابن أم الجراح ، أنت أحرص على الفتنة منهم ، لا تضربن مؤمنا ولا معاهدا سوطا إلا في الحق ، واحذر القصاص ، فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وتقرأ كتابا : لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
فلما قدم الجراح على عمر ، وقدم أبو مجلز ، قال له عمر : أخبرني عن عبد الرحمن بن عبد الله ، قال : يكافي الأكفاء ، ويعادي الأعداء ، وهو أمير يفعل ما يشاء ، ويقدم إن وجد من يساعده . قال : فعبد الرحمن بن نعيم ؟ قال : يحب العافية والتأني ، وهو أحب إلي . فولاه الصلاة والحرب ، وولى عبد الرحمن القشيري الخراج ، وكتب إلى أهل خراسان : إني استعملت عبد الرحمن على حربكم ، وعبد الرحمن [ بن عبد الله ] على خراجكم ، وكتب إليهما يأمرهما بالمعروف والإحسان .
فلم يزل عبد الرحمن بن نعيم على خراسان حتى مات عمر ، وبعد ذلك حتى قتل ، ووجه يزيد بن المهلب مسلمة سعيد بن عبد العزيز الحارث بن الحكم ، فكانت ولايته أكثر من سنة ونصف .