ذكر جودرز ملك
ثم ملك بعد سابور جودرز بن أشكان ، وهو الذي غزا بني إسرائيل في المرة الثانية .
[ ص: 262 ] وسبب تسليط الله إياه عليهم قتلهم يحيى بن زكرياء ، فأكثر القتل فيهم ، فلم يعد لهم جماعة كجماعتهم الأولى ، ورفع الله منهم النبوة ونزل بهم الذل .
وقيل : إن الذي غزا بني إسرائيل طيطوس بن إسفيانوس ملك الروم فقتلهم وسباهم وخرب بيت المقدس ، وقد كانت الروم غزت بلاد فارس يطلبون ثأر أنطيخس ، وملك بابل حينئذ " بلاش أبو أردوان " الذي قتله " أردشير بن بابك " ، فكتب بلاش إلى ملوك الطوائف يعلمهم ما أجمعت عليه الروم من غزو بلادهم وما حشدوا وجمعوا وأنه إن عجز منهم ظفروا بهم جميعا .
فوجه كل ملك من ملوك الطوائف إلى بلاش من الرجال والسلاح والمال بقدر قوته ، فاجتمع عنده أربعمائة ألف رجل ، فولى عليهم صاحب الحضر ، وكان له ما بين السواد والجزيرة ، فلقي الروم وقتل ملكهم واستباح عسكرهم ، وذلك الذي هيج الروم على بناء القسطنطينية ونقل الملك من رومية إليها ، وكان الذي أنشأها قسطنطين الملك ، وهو أول من تنصر من ملوك الروم وأجلى من بقي من بني إسرائيل عن فلسطين والشام لقتلهم عيسى بزعمهم ، وأخذ الخشبة التي يزعمون أنهم صلبوا المسيح عليها ، فعظمها الروم وأدخلوها خزائنهم وهي عندهم إلى اليوم .
ولم يزل ملك فارس متفرقا حتى ملك أردشير بن بابك . ولم يبين هشام مدة ملكهم .
وقال غيره من أهل العلم بأخبار فارس : ملك بلادهم بعد الإسكندر ملوك من غير الفرس كانوا يطيعون كل من ملك بلاد الجبل ، وهم الأشغانيون الذين يدعون ملوك الطوائف ، وكان ملكهم مائتي سنة ، وقيل : كان ملكهم ثلاثمائة وأربعين سنة ، ملك من هذه السنين أشك بن أشكان عشرين سنة ، ثم ابنه سابور ستين سنة ، وفي إحدى وأربعين سنة من ملكه ظهر المسيح [ ص: 263 ] عيسى ابن مريم - عليه السلام - وإن " تيطوس بن إسفيانوس " ملك رومية غزا بيت المقدس بعد ارتفاع المسيح بنحو من أربعين سنة فملك المدينة وقتل ، وسبى ، وأخرب المدينة ، ثم ملك جودرز بن أشغانان الأكبر عشر سنين ، ثم ملك بيرن الأشغاني إحدى وعشرين سنة ، ثم ملك جودرز الأشغاني تسع عشرة سنة ، ثم ملك نرسي الأشغاني أربعين سنة ، ثم ملك هرمز الأشغاني سبع عشرة سنة ، ثم ملك أردوان الأشغاني اثنتي عشرة سنة ، ثم ملك كسرى الأشغاني أربعين سنة ، ثم ملك بلاش الأشغاني أربعا وعشرين سنة ، ثم ملك أردوان الأصغر ثلاث عشرة سنة ، ثم ملك أردشير بن بابك .
وقال بعضهم : ملك بلاد الفرس بعد الإسكندر ملوك الطوائف الذين فرق الإسكندر المملكة بينهم ، وتفرد بكل ناحية من ملك عليها من حين ملكه عليها ما خلا السواد ، فإنه كان أربعا وخمسين سنة بعد هلاك الإسكندر في يد الروم .
[ ص: 264 ] وكان في ملوك الطوائف رجل من نسل الملوك قد ملك الجبال وأصبهان ، ثم غلب ولده بعد ذلك على السواد ، وكانوا ملوكا عليها ، وعلى الماهات ، والجبال ، وأصبهان كالرئيس على سائر ملوك الطوائف ; لأن العادة جرت بتقديمه وتقديم ولده ، ولذلك قصد لذكرهم في كتب سير الملوك ، فاقتصرنا على ذكرهم دون غيرهم ، فكانت مدة ملوك الطوائف مائتي سنة وستين سنة ، وقيل : ثلاثمائة وأربعا وأربعين سنة ، وقيل : خمسمائة وثلاثا وعشرين سنة ، والله أعلم .
فمن الملوك الذين ملكوا الجبال ثم تهيأت بعد أولادهم الغلبة على السواد أشك بن حره ، وهو من ولد إسفنديار بن بشتاسب في قول ، وبعض الفرس زعم أن أشك بن دارا ، وقال بعضهم : أشك بن أشكان الكبير ، هو من ولد كيكاووس ، وكان ملكه عشرين سنة ، ثم ملك بعد أشك ابنه إحدى وعشرين سنة ، ثم ملك ابنه سابور ثلاثين سنة ، ثم ملك ابنه جودرز عشر سنين ، ثم ملك ابنه بيرن إحدى وعشرين سنة ، ثم ملك ابنه جودرز الأصغر تسع عشرة سنة ، ثم ابنه نرسي أربعين سنة ، ثم هرمز بن بلاش بن أشكان سبع عشرة سنة ، ثم أردوان الأكبر بن أشكان اثنتي عشرة سنة ، [ ص: 265 ] ثم كسرى بن أشكان أربعين سنة ، ثم أردوان الأصغر بن بلاش ثلاث عشرة سنة وكان أعظم ملوك الأشكانية وأظهرهم ، وأعزهم قهرا للملوك ، ثم ملك أردشير بن بابك وجمع مملكة الفرس على ما نذكره إن شاء الله .
وقد عد بعضهم في أسماء الملوك غير ما ذكرنا لا حاجة إلى الإطالة بذكره ، وقد ذكرنا بعض ما قيل عند ملك أردشير بن بابك .