ذكر مسلم الترك غزو
ثم قطع مسلم النهر ، ولحق به من لحق من أصحابه ، فلما بلغ بخارى أتاه كتاب خالد بن عبد الله بولايته العراق ، ويأمره بإتمام غزاته . فسار إلى فرغانة ، فلما وصلها بلغه أن خاقان قد أقبل إليه ، وأنه في موضع ذكروه ، فارتحل ، فسار ثلاث مراحل في يوم ، وأقبل إليهم خاقان ، فلقي طائفة من المسلمين وأصاب دواب لمسلم ، وقتل جماعة من المسلمين ، وقتل المسيب بن بشر الرياحي ، والبراء ، وكان من فرسان المهلب ، وقتل أخو غوزك ، وثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر ، ورحل مسلم بالناس ، فسار ثمانية أيام وهم مطيفون بهم ، فلما كانت التاسعة أرادوا النزول ، فشاوروا الناس ، فأشار به وقالوا : إذا أصبحنا وردنا الماء [ والماء ] منا غير بعيد . فنزلوا ولم يرفعوا بناء في العسكر ، وأحرق الناس ما ثقل من الآنية والأمتعة ، فحرقوا ما قيمته ألف ألف ، وأصبح الناس ، فساروا ، فوردوا النهر ، وأهل فرغانة والشاش دونه ، فقال مسلم بن سعيد : أعزم على كل رجل إلا اخترط سيفه ، ففعلوا وصارت الدنيا كلها سيوفا ، فتركوا الماء وعبروا .
فأقام يوما ، ثم قطع من غد ، واتبعهم ابن لخاقان ، فأرسل إليه حميد بن عبد الله ، وهو على الساقة : قف لي فإن خلفي مائتي رجل من الترك حتى أقاتلهم ، وهو مثقل جراحة ، فوقف الناس ، وعطف على الترك ، فقاتلهم ، وأسر أهل الصغد وقائدهم وقائد الترك في سبعة ، ومضى البقية ، ورجع حميد ، فرمي بنشابة في ركبته ، فمات .
وعطش الناس ، وكان عبد الرحمن العامري حمل عشرين قربة على إبله ، فسقاها الناس جرعا جرعا ، واستسقى مسلم بن سعيد ، فأتوه بإناء ، فأخذه جابر أو حارثة بن [ ص: 172 ] كثير أخو من فيه ، فقال سليمان بن كثير مسلم : دعوه فما نازعني شربتي إلا من حر دخله . وأتوا خجندة ، وقد أصابهم مجاعة وجهد ، فانتشر الناس ، فإذا فارسان يسألان عن عبد الرحمن بن نعيم ، فأتياه بعهده على خراسان من أسد بن عبد الله أخي خالد ، فأقرأه عبد الرحمن مسلما ، فقال : سمعا وطاعة . وكان عبد الرحمن أول من اتخذ الخيام في مفازة آمل .
قال الخزرج التغلبي : قاتلنا الترك ، فأحاطوا بنا حتى أيقنا بالهلاك ، فحمل حوثرة بن يزيد بن الحر بن الخنيف على الترك في أربعة آلاف ، فقاتلهم ساعة ثم رجع ، وأقبل في ثلاثين فارسا ، فقاتلهم حتى أزالهم عن مواضعهم ، فحمل عليهم الناس ، فانهزم نصر بن سيار الترك ، وحوثرة وهو ابن أخي رقبة بن الحر .
قيل : وكان قال عمر بن هبيرة لمسلم بن سعيد حين ولاه : ليكن حاجبك من صالح مواليك ، فإنه لسانك والمعبر عنك ، وعليك بعمال العذر . قال : وما عمال العذر ؟ قال : تأمر أهل كل بلد أن يختاروا لأنفسهم ، فإن كان خيرا كان لك ، وإن كان شرا كان لهم دونك ، وكنت معذورا .
وكان على خاتم مسلم بن سعيد توبة بن أبي سعيد ، فلما ولي أسد بن عبد الله خراسان جعله على خاتمه أيضا .