[ ص: 198 ]   112 
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائة 
ذكر قتل   الجراح الحكمي  
 في هذه السنة قتل   الجراح بن عبد الله الحكمي     . وسبب ذلك ما ذكرناه قبل من دخوله بلاد الخزر  وانهزامهم ، فلما هزمهم اجتمع الخزر  والترك  من ناحية اللان ، فلقيهم   الجراح بن عبد الله  فيمن معه من أهل الشام  ، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس ، فصبر الفريقان ، وتكاثرت الخزر  والترك  على المسلمين ، فاستشهد  الجراح  ومن كان معه بمرج أردبيل  ، وكان قد استخلف أخاه  الحجاج بن عبد الله  على إرمينية    . 
ولما قتل  الجراح  طمع الخزر  وأوغلوا في البلاد حتى قاربوا الموصل  ، وعظم الخطب على المسلمين . 
وكان  الجراح  خيرا فاضلا من عمال   عمر بن عبد العزيز  ، ورثاه كثير من الشعراء . وقيل : كان قتله ببلنجر    . 
ولما بلغ  هشاما  خبره دعا  سعيدا الحرشي  فقال له : بلغني أن  الجراح  قد انحاز عن المشركين . قال : كلا يا أمير المؤمنين ،  الجراح  أعرف بالله من أن ينهزم ، ولكنه قتل . قال : فما رأيك ؟ قال : تبعثني على أربعين دابة من دواب البريد ، ثم تبعث إلي كل يوم أربعين رجلا ، ثم اكتب إلى أمراء الأجناد يوافوني . 
ففعل ذلك  هشام  ، وسار  الحرشي  ، فكان لا يمر بمدينة إلا ويستنهض أهلها فيجيبه من يريد الجهاد ، ولم يزل كذلك حتى وصل إلى مدينة أرزن  ، فلقيه جماعة من أصحاب  الجراح  ، وبكوا وبكى لبكائهم وفرق فيهم نفقة وردهم معه ، وجعل لا يلقاه أحد من أصحاب  الجراح  إلا رده معه ، ووصل إلى خلاط  ، وهي ممتنعة عليه ، فحصرها أيضا وفتحها وقسم غنائمها في أصحابه . 
ثم سار عن خلاط  وفتح الحصون والقلاع شيئا بعد شيء إلى أن وصل إلى برذعة  فنزلها . 
 [ ص: 199 ] وكان  ابن خاقان  يومئذ بأذربيجان  يغير وينهب ويسبي ويقتل ، وهو محاصر مدينة ورثان  ، فخاف  الحرشي  أن يملكها ، فأرسل بعض أصحابه إلى أهل ورثان  سرا يعرفهم وصولهم ويأمرهم بالصبر ، فسار القاصد ، ولقيه بعض الخزر  فأخذوه وسألوه عن حاله ، فأخبرهم وصدقهم ، فقالوا له : إن فعلت ما نأمرك به أحسنا إليك وأطلقناك وإلا قتلناك . قال : فما الذي تريدون ؟ قالوا : تقول لأهل ورثان  إنكم ليس لكم مدد ولا من يكشف ما بكم ، وتأمرهم بتسليم البلد إلينا . فأجابهم إلى ذلك . 
فلما قارب المدينة وقف بحيث يسمع أهلها كلامه فقال لهم : أتعرفوني ؟ قالوا : نعم أنت فلان . قال : فإن  الحرشي  قد وصل إلى مكان كذا في عساكر كثيرة ، وهو يأمركم بحفظ البلد والصبر ، ففي هذين اليومين يصل إليكم . 
فرفعوا أصواتهم بالتكبير والتهليل . 
وقتلت الخزر  ذلك الرجل ورحلوا عن مدينة ورثان  ، فوصلها  الحرشي  في العساكر وليس عندها أحد . فارتحل يطلب الخزر  إلى أردبيل  ، فسار الخزر  عنها ونزل  الحرشي  باجروان  ، فأتاه فارس على فرس أبيض فسلم عليه وقال له : هل لك أيها الأمير في الجهاد والغنيمة ؟ قال : كيف لي بذلك ؟ قال : هذا عسكر الخزر  في عشرة آلاف ، ومعهم خمسة آلاف من أهل بيت من المسلمين أسارى أو سبايا ، وقد نزلوا على أربعة فراسخ . 
فسار  الحرشي  ليلا فوافاهم آخر الليل وهم نيام ، ففرق أصحابه في أربع جهات فكبسهم مع الفجر ، ووضع المسلمون فيهم السيف ، فما بزغت الشمس حتى قتلوا أجمعين غير رجل واحد ، وأطلق  الحرشي  من معهم من المسلمين وأخذهم إلى باجروان  ، فلما دخلها أتاه ذلك الرجل صاحب الفرس الأبيض فسلم وقال : هذا جيش للخزر  ومعهم أموال للمسلمين وحرم  الجراح  وأولاده بمكان كذا . فسار  الحرشي  إليهم ، فما شعروا إلا والمسلمون معهم ، فوضعوا فيهم السيف فقتلوهم كيف شاءوا ، ولم يفلت من الخزر  إلا الشريد ، واستنقذوا من معهم من المسلمين والمسلمات وغنموا أموالهم ، وأخذ أولاد  الجراح  فأكرمهم وأحسن إليهم ، وحمل الجميع إلى باجروان    . 
وبلغ خبر ما فعله  الحرشي  بعساكر الخزر  ابن ملكهم ، فوبخ عساكره وذمهم ونسبهم إلى العجز والوهن ، فحرض بعضهم بعضا ، وأشاروا عليه بجمع أصحابه والعود إلى قتال  الحرشي     . فجمع أصحابه من نواحي أذربيجان  ، فاجتمع معه عساكر كثيرة ،   [ ص: 200 ] وسار  الحرشي  إليه فالتقيا بأرض برزند  ، واقتتل الناس أشد قتال وأعظمه ، فانحاز المسلمون يسيرا ، فحرضهم  الحرشي  وأمرهم بالصبر فعادوا إلى القتال وصدقوهم الحملة ، واستغاث من مع الخزر  من الأسارى ونادوا بالتكبير والتهليل والدعاء ، فعندها حرض المسلمون بعضهم بعضا ولم يبق أحد إلا وبكى رحمة للأسرى ، واشتدت نكايتهم في العدو ، فولوا الأدبار منهزمين ، وتبعهم المسلمون حتى بلغوا بهم نهر أرس  ، وعادوا عنهم وحووا ما في عساكرهم من الأموال والغنائم ، وأطلقوا الأسرى والسبايا وحملوا الجميع إلى باجروان    . 
ثم إن ابن ملك الخزر  جمع من لحق به من عساكره وعاد بهم نحو  الحرشي  ، فنزل على نهر البيلقان  ، وبلغ الخبر إلى  الحرشي  فسار نحوه في عساكر المسلمين ، فوافاهم وهم على نهر البيلقان  ، فالتقوا هناك ، فصاح  الحرشي  بالناس ، فحملوا حملة صادقة ضعضعوا صفوف الخزر  ، وتابع الحملات وصبر الخزر  صبرا عظيما ، ثم كانت الهزيمة عليهم ، فولوا الأدبار منهزمين ، وكان من غرق منهم في النهر أكثر ممن قتل . 
وجمع  الحرشي  الغنائم وعاد إلى باجروان  فقسمها ، وأرسل الخمس إلى   هشام بن عبد الملك  وعرفه ما فتح الله على المسلمين ، فكتب إليه  هشام  يشكره . 
وأقام بباجروان  ، فأتاه كتاب  هشام  يأمره بالمسير إليه ، واستعمل أخاه   مسلمة بن عبد الملك  على إرمينية  وأذربيجان  ، فوصل إلى البلاد وسار إلى الترك  في شتاء شديد حتى جاز الباب في آثارهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					