ذكر غزوات   نصر بن سيار  ما وراء النهر  
وفي هذه السنة غزا   نصر بن سيار  ما وراء النهر مرتين ، إحداهما من نحو الباب الجديد  ، فسار من بلخ  من تلك الناحية ، ثم رجع إلى مرو  فخطب الناس وأخبرهم أنه قد أقام  منصور بن عمر بن أبي الخرقاء  على كشف المظالم ، وأنه قد وضع الجزية عمن قد أسلم ، وجعلها على من كان يخفف عنه من المشركين . 
فلم تمض جمعة حتى أتاه ثلاثون ألف مسلم كانوا يؤدون الجزية عن رءوسهم ، وثمانون ألفا من المشركين كانت قد ألقيت عنهم ، فحول ما كان على المسلمين إليهم ووضعه عن المسلمين ، ثم صنف   [ ص: 262 ] الخراج ووضعه مواضعه . 
ثم غزا الثانية إلى ورغسر  وسمرقند  ثم رجع . ثم غزا الثالثة إلى الشاش  من مرو  ، فحال بينه وبين عبور نهر الشاش  كورصول  في خمسة عشر ألفا ، وكان معهم  الحارث بن سريج  ، وعبر  كورصول  في أربعين رجلا ، فبيت أهل العسكر في ليلة مظلمة ، ومع  نصر  بخاراخذاه  في أهل بخارى  ، ومعه أهل سمرقند  وكش  ونسف  ، وهم عشرون ألفا ، فنادى  نصر     : ألا يخرجن أحد واثبتوا على مواضعكم . فخرج  عاصم بن عمير  ، وهو على جند سمرقند  ، فمرت به خيل الترك  ، فحمل على رجل في آخرهم فأسره ، فإذا هو ملك من ملوكهم صاحب أربعة آلاف قبة ، فأتى به إلى  نصر  ، فقال له  نصر     : من أنت ؟ قال :  كورصول     . فقال  نصر     : الحمد لله الذي أمكن منك يا عدو الله . قال : ما ترجو من قتل شيخ ؟ وأنا أعطيك أربعة آلاف بعير من إبل الترك  وألف برذون تقوي بها جندك وتطلق سبيلي . فاستشار  نصر  أصحابه ، فأشاروا بإطلاقه ، فسأله عن عمره ، قال : لا أدري . قال : كم غزوت ؟ قال : اثنتين وسبعين غزوة . قال : أشهدت يوم العطش ؟ قال : نعم . قال : لو أعطيتني ما طلعت عليه الشمس ما أفلت من يدي بعد ما ذكرت من مشاهدك . وقال  لعاصم بن عمير السعدي     : قم إلى سلبه فخذه . فقال : من أسرني ؟ قال  نصر  ، وهو يضحك : أسرك  يزيد بن قران الحنظلي  ، وأشار إليه . قال : هذا لا يستطيع أن يغسل استه ، أو لا يستطيع أن يتم له بوله فكيف يأسرني ؟ أخبرني من أسرني ؟ قال : أسرك  عاصم بن عمير     . قال : لست أجد ألم القتل إذا كان أسرني فارس من فرسان العرب . فقتله وصلبه على شاطئ النهر . 
وعاصم بن عمير هو الهزارمرد  ، قتل بنهاوند  أيام  قحطبة     . 
فلما قتل  كورصول  أحرقت الترك  أبنيته وقطعوا آذانهم وقصوا شعورهم وأذناب خيلهم . فلما أراد  نصر  الرجوع أحرقه لئلا يحملوا عظامه ، فكان ذلك أشد عليهم من قتله ، وارتفع إلى فرغانة  فسبى بها ألف رأس . 
وكتب   يوسف بن عمر  إلى  نصر     : سر إلى هذا الغارز ذنبه في الشاش  ، يعني  الحارث بن سريج  ، فإن أظفرك الله به وبأهل الشاش  فخرب بلادهم واسب ذراريهم ، إياك وورطة المسلمين . فقرأ الكتاب على الناس واستشارهم ، فقال  يحيى بن   [ ص: 263 ] الحضين     : ( امض لأمر أمير المؤمنين وأمر الأمير ) . فقال  نصر     : يا  يحيى  تكلمت بكلمة أيام  عاصم  بلغت الخليفة فحظيت بها وبلغت الدرجة الرفيعة ، فقلت أقول مثلها ، سر يا  يحيى  قد وليتك مقدمتي . فلام الناس  يحيى  ، فسار إلى الشاش  ، فأتاهم  الحارث  فنصب عليهم عرادتين ، وأغار  الأخرم  ، وهو فارس الترك  ، على المسلمين فقتلوه وألقوا رأسه إلى الترك  ، فصاحوا وانهزموا . 
وسار  نصر  إلى الشاش  ، فتلقاه ملكها بالصلح والهدية والرهن ، واشترط عليه  نصر  إخراج  الحارث بن سريج  عن بلده ، فأخرجه إلى فاراب  ، واستعمل على الشاش  نيزك بن صالح  مولى   عمرو بن العاص  ، ثم سار حتى نزل قبا  من أرض فرغانة  ، وكانوا أحسوا بمجيئه فأحرقوا الحشيش وقطعوا الميرة ، فوجه  نصر  إلى ولي [ عهد ] صاحب فرغانة  فحاصره في حصن ، وغفلوا عنه فخرج وغنم دواب المسلمين ، فوجه إليهم  نصر  رجالا من تميم  ومعهم   محمد بن المثنى  ، وكان المسلمون ودوابهم كمنوا لهم ، فخرجوا واستاقوا بعضها ، وخرج عليهم المسلمون فهزموهم وقتلوا الدهقان ، وأسروا منهم وأسروا ابن  الدهقان  فقتله  نصر  ، وأرسل  نصر  سليمان بن صول  بكتاب الصلح إلى صاحب فرغانة  ، فأمر به فأدخل الخزائن ليراها ثم رجع إليه ، فقال : كيف رأيت الطريق فيما بيننا وبينكم ؟ قال : سهلا كثير الماء والمراعي ، ( فكره ذلك وقال : ما علمك ؟ فقال  سليمان     : قد غزوت غرشستان  وغور    ) والختل  وطبرستان  فكيف لا أعلم ؟ قال : فكيف رأيت ما أعددنا ؟ قال : عدة حسنة ، ولكن أما علمت أن [ صاحب ] الحصار لا يسلم من خصال ، لا يأمن أقرب الناس إليه وأوثقهم في نفسه [ أن يثب به يطلب مرتبته ويتقرب بذلك ] ، أو يفني ما [ قد ] جمع فيسلم برمته ، أو يصيبه داء فيموت . فكره ما قال له وأمره فأحضر كتاب الصلح ، فأجاب إليه وسير أمه معه ، وكانت صاحبة أمره ، فقدمت على  نصر  ، فأذن لها وجعل يكلمها ، وكان مما قالت له : كل ملك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملك ، وزير يبث إليه ما في نفسه ويشاوره ويثق بنصيحته ، وطباخ إذا لم يشته الطعام اتخذ له ما يشتهي ، وزوجة إذا دخل عليها مغتما فنظر إلى وجهها زال غمه ، وحصن إذا فزع أتاه فأنجاه ، تعني البرذون ، وسيف إذا قاتل لا يخشى خيانته ، وذخيرة إذا حملها عاش بها أين كان من الأرض . 
ثم دخل  تميم بن نصر  في جماعة فقالت : من هذا ؟ قالوا : هذا فتى خراسان   [ ص: 264 ] تميم بن نصر     . قالت : ما له نبل الكبير ولا حلاوة الصغير ، ثم دخل  الحجاج بن قتيبة  فقالت : من هذا ؟ فقالوا :  الحجاج بن قتيبة  ، فحيته وسألت عنه وقالت : يا معشر العرب ما لكم وفاء ولا يصلح بعضكم بعضا .  قتيبة  الذي ذلل لكم ما أرى ، وهذا ابنه تقعده دونك فحقه أن تجلسه أنت هذا المجلس وتجلس أنت مجلسه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					