ذكر بعض سيرته
قال عقال بن شبة : دخلت على هشام وعليه قباء فنك أخضر ، فوجهني إلى خراسان وجعل يوصيني وأنا أنظر إلى القباء ، ففطن فقال : ما لك ؟ فقلت : رأيت عليك قبل أن تلي الخلافة قباء مثل هذا فجعلت أتأمل أهو هذا أم غيره . فقال : هو والله ذاك ، وأما ما ترون من جمعي المال وصونه فهو لكم . قال : وكان محشوا عقلا . وقيل : وضرب رجل نصراني غلاما لمحمد بن هشام فشجه ، فذهب خصي لمحمد فضرب النصراني ، وبلغ هشاما الخبر وطلب الخصي فعاذ بمحمد ، فقال له محمد : ألم آمرك ؟ فقال الخصي : بلى والله قد أمرتني . فضرب هشام الخصي وشتم ابنه .
قال عبد الله بن عبد الله بن عباس : جمعت دواوين بني أمية ، فلم أر ديوانا أصح [ ص: 283 ] ولا أصلح للعامة والسلطان من ديوان هشام . وقيل : وأتي هشام برجل عنده قيان وخمر وبربط ، فقال : اكسروا الطنبور على رأسه . فبكى الشيخ لما ضربه . فقال : عليك بالصبر . فقال : أتراني أبكي للضرب ؟ إنما أبكي لاحتقاره البربط إذ سماه طنبورا ! قال : وأغلظ رجل لهشام ، فقال له : ليس لك أن تغلظ لإمامك . قيل : وتفقد هشام بعض ولده فلم يحضر الجمعة ، فقال : ما منعك من الصلاة ؟ قال : نفقت دابتي . قال : أفعجزت عن المشي ؟ فمنعه الدابة سنة . قيل : وكتب إليه بعض عماله : قد بعثت إلى أمير المؤمنين بسلة دراقن ، وكتب إليه : قد وصل الدراقن فأعجب أمير المؤمنين ، فزد منه واستوثق من الدعاء . وكتب إلى عامل له قد بعث بكمأة : قد وصلت الكمأة وهي أربعون ، وقد تغير بعضها من حشوها ، فإذا بعثت شيئا فأجد حشوها في الظرف الذي تجعلها فيه بالرمل حتى لا تضطرب ولا يصيب بعضها بعضا . وقيل له : أتطمع في الخلافة ؟ فأنت بخيل جبان ! قال : ولم لا أطمع فيها وأنا حليم عفيف ؟
قيل : وكان هشام ينزل الرصافة وهي من أعمال قنسرين ، وكان الخلفاء قبله وأبناء الخلفاء ينتبذون هربا من الطاعون فينزلون البرية ، فلما أراد هشام أن ينزل الرصافة قيل له : لا تخرج فإن الخلفاء لا يطعنون ولم ير خليفة طعن . قال : أتريدون أن تجربوا في ؟ فنزلها ، وهي مدينة رومية .
قيل : إن أظهر مقالته بخلق القرآن أيام الجعد بن درهم ، فأخذه هشام بن عبد الملك هشام وأرسله إلى ، وهو أمير خالد القسري العراق ، وأمر بقتله ، فحبسه خالد ولم [ ص: 284 ] يقتله ، فبلغ الخبر هشاما ، فكتب إلى خالد يلومه ويعزم عليه أن يقتله ، فأخرجه خالد من الحبس في وثاقه ، فلما صلى العيد يوم الأضحى قال في آخر خطبته : انصرفوا وضحوا يقبل الله منكم ، فإني أريد أن أضحي اليوم ، فإنه يقول : ما كلم الله بالجعد بن درهم موسى ، ولا اتخذ إبراهيم خليلا ، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا . ثم نزل وذبحه .
قيل : إن غيلان بن يونس ، وقيل ابن مسلم ، أبا مروان أظهر القول بالقدر في أيام ، فأحضره عمر بن عبد العزيز عمر واستتابه ، فتاب ثم عاد إلى الكلام فيه أيام هشام ، فأحضره من ناصرة ، ثم أمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم أمر به فصلب .
قيل : وجاء إلى محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب هشام ، فقال : ليس لك عندي صلة ، ثم قال : إياك أن يغرك أحد فيقول لم يعرفك أمير المؤمنين ، إني عرفتك ، أنتمحمد بن زيد فلا تقيمن وتنفق ما معك ، فليس لك عندي صلة ، الحق بأهلك .
قال مجمع بن يعقوب الأنصاري : شتم هشام رجلا من الأشراف ، فوبخه الرجل وقال : أما تستحي أن تشتمني وأنت خليفة الله في الأرض ؟ فاستحيا منه وقال : اقتص مني . قال : إذا أنا سفيه مثلك . قال : فخذ مني عوضا من المال . قال : ما كنت لأفعل . قال : فهبها لله . قال : هي لله ثم لك . فنكس هشام رأسه واستحيا وقال : والله لا أعود إلى مثلها أبدا .