ذكر عدة حوادث
قيل : وفي هذه السنة خاله الوليد بن يزيد واليا على يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي المدينة ومكة والطائف ، ودفع إليه وجه محمدا وإبراهيم ابني هشام بن إسماعيل المخزومي موثقين في عباءتين ، فقدم بهما المدينة في شعبان فأقامهما للناس ، ثم حملا إلى الشام فأحضروا عند الوليد ، فأمر بجلدهم ، فقال محمد : أسألك بالقرابة ! قال : وأي قرابة بيننا ؟ قال : فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب بسوط إلا في حد . قال : ففي حد أضربك وقود ، أنت أول من فعل بالعرجي ، وهو ابن عمي وابن أمير المؤمنين عثمان ، وكان محمد قد أخذه وقيده ، وأقامه للناس وجلده وسجنه إلى أن مات بعد تسع سنين لهجاء العرجي إياه ، ثم أمر به الوليد فجلد هو وأخوه إبراهيم ، ثم أوثقهما حديدا وأمر أن يبعث بهما إلى وهو على يوسف بن عمر العراق ، فلما قدم بهما عذبهما حتى ماتا .
وفي هذه السنة عزل الوليد سعد بن إبراهيم عن قضاء المدينة وولاه يحيى بن [ ص: 293 ] سعيد الأنصاري . وفيها خرجت الروم إلى زبطرة ، وهو حصن قديم كان افتتحه ، فأخربته حبيب بن مسلمة الفهري الروم الآن ، فبنى بناء غير محكم ، فعاد الروم وأخربوه أيام ، ثم بناه مروان بن محمد الحمار الرشيد وشحنه بالرجال ، فلما كانت خلافة طرقه المأمون الروم فشعثوه ، فأمر بمرمته وتحصينه ، ثم قصده المأمون الروم أيام المعتصم ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى . فإنما سقت خبره هاهنا لأني لم أعلم تواريخ حوادثه .
وفيها أغزى الوليد أخاه الغمر بن يزيد ، وأمر على جيوش البحر الأسود بن بلال المحاربي وسيره إلى قبرص ليخير أهلها بين المسير إلى الشام أو إلى الروم ، فاختارت طائفة جوار المسلمين ، فسيرهم إلى الشام ، واختار آخرون الروم ، فسيرهم إليهم .
وفيها قدم سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم ولاهز بن قريظ وقحطبة بن شبيب مكة ، فلقوا ، في قول بعض أهل السير ، محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فأخبروه بقصة أبي مسلم وما رأوا منه ، فقال : أحر هو أم عبد ؟ قالوا : أما عيسى فيزعم أنه عبد ، وأما هو فيزعم أنه حر . قال : فاشتروه وأعتقوه وأعطوا محمد بن علي مائتي ألف درهم وكسوة بثلاثين ألف درهم . فقال لهم : ما أظنكم تلقوني بعد عامي هذا ، فإن حدث بي [ ص: 294 ] حدث فصاحبكم ابني إبراهيم فإني أثق به ، وأوصيكم به خيرا . فرجعوا من عنده .
وقال بعضهم : في هذه السنة توفي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس في شهر ذي القعدة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ، وكان بين موته وموت أبيه سبع سنين .
وحج بالناس هذه السنة يوسف بن محمد بن يوسف . وفيها غزا النعمان بن يزيد بن عبد الملك الصائفة .
[ الوفيات ]
وفي هذه السنة مات أبو حازم الأعرج ، وقيل سنة أربعين ، وقيل سنة أربع وأربعين ومائة ، وفي آخر أيام توفي هشام بن عبد الملك ، وفي هذه السنة توفي سماك بن حرب القاسم بن أبي بزة ( واسم أبي بزة يسار ، وهو من المشهورين بالقراءة ) وأشعث بن أبي الشعثاء سليم بن أسود المحاربي . ، وقيل مولى وزيد بن أبي أنيسة الجزري ، مولى بني كلاب يزيد بن الخطاب ، [ ص: 295 ] وقيل مولى غني ، وكان عمره ستا وأربعين سنة ، وكان فقيها عابدا ، وكان له أخ اسمه يحيى ، كان ضعيفا في الحديث .
وفي أيام هشام مات العرجي الشاعر في حبس محمد بن هشام المخزومي ، عامل على هشام بن عبد الملك المدينة ومكة ، وكان سبب حبسه أنه هجاه فتتبعه حتى بلغه أنه أخذ مولى له فضربه وقتله ، وأمر عبيده أن يطئوا امرأة المولى المقتول ، فأخذه محمد فضربه وأقامه للناس وحبسه تسع سنين فمات في السجن .
( العرجي : بفتح العين المهملة ، وسكون الراء ، وآخره جيم ) .
وكان عمال الأمصار من تقدم ذكرهم .