ذكر حمص خلاف أهل
لما قتل الوليد أغلق أهل حمص أبوابها وأقاموا النوائح والبواكي عليه ، وقيل لهم : إن العباس بن الوليد بن عبد الملك أعان عبد العزيز على قتله ، فهدموا داره وأنهبوها وسلبوا حرمه وطلبوه ، فسار إلى أخيه يزيد ، فكاتبوا الأجناد ودعوهم إلى الطلب بدم الوليد ، فأجابوهم واتفقوا أن لا يطيعوا يزيد وأمروا عليهم معاوية بن يزيد بن الحصين بن نمير ، ووافقهم مروان بن عبد الله بن عبد الملك على ذلك .
فراسلهم يزيد فلم يسمعوا وجرحوا رسله . فسير إليهم أخاه مسرورا في جمع كثير ، فنزلوا حوارين ، ثم قدم على يزيد سليمان بن هشام ، فرد عليه يزيد ما كان الوليد أخذه من أموالهم وسيره إلى أخيه مسرور ومن معه وأمرهم بالسمع والطاعة له .
وكان أهل حمص يريدون المسير إلى دمشق ، فقال لهم مروان بن عبد الملك : أرى أن تسيروا إلى هذا الجيش فتقاتلوهم فإن ظفرتم بهم كان من بعدهم أهون عليكم ، ولست أرى المسير إلىدمشق وترك هؤلاء خلفكم . فقال السمط بن ثابت : إنما يريد [ ص: 310 ] خلافكم وهو ممايل ليزيد والقدرية . فقتلوه وقتلوا ابنه وولوا أبا محمد السفياني وتركوا عسكر سليمان ذات اليسار وساروا إلى دمشق .
فخرج سليمان مجدا فلحقهم بالسليمانية ، مزرعة كانت خلف عذراء ، وأرسل لسليمان بن عبد الملك يزيد بن الوليد عبد العزيز بن الحجاج في ثلاثة آلاف إلى ثنية العقاب ، وأرسل هشام بن مصاد في ألف وخمسمائة إلى عقبة السلامية ، وأمرهم أن يمد بعضهم بعضا . ولحقهم سليمان ومن معه على تعب ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزمت ميمنة سليمان وميسرته وثبت هو في القلب ، ثم حمل أصحابه على أهل حمص حتى ردوهم إلى موضعهم وحمل بعضهم على بعض مرارا .
فبينا هم كذلك إذ أقبل عبد العزيز بن الحجاج من ثنية العقاب فحمل على أهل حمص حتى دخل عسكرهم وقتل فيه من عرض له ، فانهزموا ، ونادى يزيد بن خالد بن عبد الله القسري : الله الله في قومك ! فكف الناس ، ودعاهم سليمان بن هشام إلى بيعة ، وأخذ يزيد بن الوليد أبو محمد السفياني أسيرا ، ويزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية أيضا ، فأتي بهما سليمان ، فسيرهما إلى يزيد فحبسهما ، واجتمع أمر أهل دمشق ليزيد بن الوليد ، وبايعه أهل حمص ، فأعطاهم يزيد العطاء وأجاز الأشراف ، واستعمل عليهم يزيد بن الوليد معاوية بن يزيد بن الحصين .