[ ص: 356 ] 129
ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة
شيبان الحروري إلى أن قتل
وهو ذكر شيبان بن عبد العزيز أبو الدلف اليشكري .
وكان سبب هلاكه أن الخوارج لما بايعوه بعد قتل الخيبري أقام يقاتل مروان ، وتفرق عن شيبان كثير من أصحاب الطمع ، فبقي في نحو أربعين ألفا ، فأشار عليهم سليمان بن هشام أن ينصرفوا إلى الموصل فيجعلوها ظهرهم ، فارتحلوا وتبعهم مروان حتى انتهوا إلى الموصل ، فعسكروا شرقي دجلة وعقدوا جسورا عليها من عسكرهم إلى المدينة ، فكانت ميرتهم ومرافقهم منها ، وخندق مروان بإزائهم ، وكان الخوارج قد نزلوا بالكار ومروان بخصة ، وكان أهل الموصل يقاتلون مع الخوارج ، فأقام مروان ستة أشهر يقاتلهم ، وقيل تسعة أشهر .
وأتي مروان بابن أخ لسليمان بن هشام يقال له أمية بن معاوية بن هشام ، وكان مع عمه سليمان في عسكر شيبان أسيرا ، فقطع يديه وضرب عنقه ، وعمه ينظر إليه .
وكتب مروان إلى يأمره بالمسير من يزيد بن عمر بن هبيرة قرقيسيا بجميع من معه إلى العراق ، وعلى الكوفة المثنى بن عمران العائذي ، عائذة قريش ، وهو خليفة للخوارج بالعراق ، فلقي ابن هبيرة بعين التمر ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وانصرفت الخوارج ( ثم اجتمعوا بالكوفة بالنخيلة ، فهزمهم ابن هبيرة . ثم اجتمعوا بالبصرة ، فأرسل شيبان إليهم عبيدة بن سوار في خيل عظيمة ، فالتقوا بالبصرة ، فانهزمت الخوارج ) وقتل عبيدة ، [ ص: 357 ] واستباح ابن هبيرة عسكرهم ، فلم يكن لهم همة بالعراق ، واستولى ابن هبيرة على العراق .
وكان منصور بن جمهور مع الخوارج فانهزم وغلب على الماهين وعلى الجبل أجمع ، وسار ابن هبيرة إلى واسط فأخذ فحبسه ، ووجه ابن عمر نباتة بن حنظلة إلى ، وهو على سليمان بن حبيب كور الأهواز ، فسمع سليمان الخبر فأرسل إلى نباتة داود بن حاتم ، فالتقوا بالمرتان على شاطئ دجيل ، فانهزم الناس وقتل داود بن حاتم .
وكتب مروان إلى ابن هبيرة لما استولى على العراق يأمره بإرسال عامر بن ضبارة المري إليه ، فسيره في سبعة آلاف أو ثمانية آلاف ، فبلغ شيبان خبره فأرسل الجون بن كلاب الخارجي في جمع ، فلقوا عامرا بالسن فهزموه ومن معه ، فدخل السن وتحصن فيه ، وجعل مروان يمده بالجنود على طريق البر حتى ينتهوا إلى السن ، فكثر جمع عامر .
وكان منصور بن جمهور يمد شيبان من الجبل بالأموال ، فلما كثر من مع عامر نهض إلى الجون والخوارج فقاتلهم فهزمهم ، وقتل الجون ، وسار ابن ضبارة مصعدا إلى الموصل .
فلما انتهى خبر قتل الجون إلى شيبان ومسير عامر نحوه كره أن يقيم بين العسكرين فارتحل بمن معه من الخوارج ، وقدم عامر على مروان بالموصل ، فسيره في جمع كثير في أثر شيبان ، فإن أقام أقام ، وإن سار سار ، وأن لا يبدأه بقتال ، فإن قاتله شيبان قاتله ، وإن أمسك أمسك عنه ، وإن ارتحل اتبعه . فكان على ذلك حتى مر على الجبل ، وخرج على بيضاء فارس وبها عبد الله بن معاوية بن حبيب بن جعفر في جموع كثيرة ، فلم يتهيأ الأمر بينهما ، فسار حتى نزل جيرفت من كرمان ، فانهزم ابن معاوية فلحق بهراة ، وسار ابن ضبارة بمن معه فلقي شيبان بجيرفت ، فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت الخوارج واستبيح عسكرهم ، ومضى شيبان إلى سجستان فهلك بها ، وذلك في سنة ثلاثين ومائة .
وقيل : بل كان قتال مروان وشيبان على الموصل مقدار شهر ، ثم انهزم شيبان حتى لحق بفارس وعامر بن ضبارة يتبعه ، وسار شيبان إلى جزيرة ابن كاوان ، ثم خرج منها إلى [ ص: 358 ] عمان ، فقتله جلندى بن مسعود بن جيفر بن جلندى الأزدي سنة أربع وثلاثين ومائة ، ( ونذكره هناك إن شاء الله تعالى ) . وركب سليمان ومن معه من أهله ومواليه السفن إلى السند .
ولما ولي الخلافة حضر عنده السفاح سليمان ، فأكرمه وأعطاه يده فقبلها ، فلما رأى ذلك سديف مولى السفاح أقبل عليه وقال : لا يغرنك ما ترى من رجال إن تحت الضلوع داء دويا
فضع السيف وارفع السوط حتى لا ترى فوق ظهرها أمويا
فأقبل عليه سليمان ، وقال : قتلتني أيها الشيخ ! وقام فدخل ، فأخذ السفاح سليمان فقتل .
وانصرف مروان ( بعد مسير شيبان عن الموصل ) إلى منزله بحران ، فأقام بها حتى سار إلى الزاب .