[ ص: 311 ] ذكر العراق ونزولهم الحيرة وصول قبائل العرب إلى
قال لما مات ابن الكلبي بخت نصر انضم الذين أسكنهم الحيرة من العرب إلى أهل الأنبار ، وبقيت الحيرة خرابا دهرا طويلا ، وأهلها بالأنبار لا يطلع عليهم قادم ، فلما كثر أولاد معد بن عدنان ، ومن كان معهم من قبائل العرب ومزقتهم الحروب ، خرجوا يطلبون الريف فيما يليهم من اليمن ومشارف الشام ، وأقبلت منهم قبائل حتى نزلوا بالبحرين وبها جماعة من الأزد .
وكان الذين أقبلوا من تهامة مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم أسد بن وبرة بن قضاعة ، ومالك بن زهير بن عمرو بن فهم في جماعة من قومهم ، والحيقاد بن الحنق بن عمير بن قبيص بن معد بن عدنان في قبيص كلها ، ولحق بهم غطفان بن عمرو بن الطمثان بن عوذ مناة بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان وغيره من إياد ، فاجتمع بالبحرين قبائل من العرب وتحالفوا على التنوخ ، وهو المقام ، وتعاقدوا على التناصر والتساعد ، فصاروا يدا واحدة وضمهم اسم تنوخ ، وتنخ عليهم بطون من نمارة بن لخم ، ودعا مالك بن زهير جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم بن غانم بن دوس الأزدي إلى التنوخ معه ، وزوجه أخته لميس ، فتنخ جذيمة ، وكان [ ص: 312 ] اجتماعهم أيام ملوك الطوائف ، وإنما سموا ملوك الطوائف لأن كل ملك منهم كان ملكه على طائفة قليلة من الأرض .
قال : ثم تطلعت أنفس من كان بالبحرين إلى ريف العراق ، فطمعوا في غلبة الأعاجم على ما يلي بلاد العرب منه أو مشاركتهم فيه لاختلاف بين ملوك الطوائف ، فأجمعوا على المسير إلى العراق ، فكان أول من طلع منهم الحيقاد ابن الحنق في جماعة من قومه وأخلاط من الناس ، فوجدوا الأرمانيين - وهم الذين ملكوا أرض بابل وما يليها إلى ناحية الموصل - يقاتلون الأردوانيين - وهم ملوك الطوائف - وهو ما بين نفر - وهي قرية من سواد العراق إلى الأبلة - فدفعوهم عن بلادهم ، والأرمانيون من بقايا إرم فلهذا سموا الأرمانيين ، وهم نبط السواد .
ثم طلع مالك وعمرو ابنا فهم بن تيم الله وغيرهما من تنوخ إلى الأنبار على ملك الأرمانيين ، وطلع نمارة ومن معه إلى نفر على ملك الأردوانيين ، وكانوا لا يدينون للأعاجم حتى قدمها تبع ، وهو أسعد أبو كرب بن ملكيكرب في جيوشه ، فخلف بها من لم يكن فيه قوة من عسكره ، وسار تبع ثم رجع إليهم فأقرهم على حالهم ، ورجع إلى اليمن وفيهم من كل القبائل ، ونزلت تنوخ من الأنبار إلى الحيرة في الأخبية لا يسكنون بيوت المدر ، وكان أول من ملك منهم مالك بن فهم ، وكان منزله مما يلي الأنبار .
ثم مات مالك ، فملك بعده أخوه عمرو بن فهم بن غانم بن دوس الأزدي ، ثم مات فملك بعده جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم . وقيل : إن جذيمة من العادية الأولى من بني وبار بن أميم بن لوذ بن سام بن نوح - عليه السلام - والله أعلم .