لما ملك الأمين وكاتبه ، وأعطاه بيعته - طلب الخصيان وأتباعهم وغالى فيهم ، فصيرهم لخلوته ليله ونهاره ، وقوام طعامه وشرابه ، وأمره ونهيه ، وفرض لهم فرضا سماهم الجرادية ، وفرضا من الحبشان سماهم الغرابية ، ورفض النساء الحرائر والإماء ، حتى رمي بهن ، وقيل فيه الأشعار ، [ ص: 457 ] فمما قيل فيه : المأمون
ألا يا أيها الثاوي بطوس عزيبا ما يفادى بالنفوس لقد أبقيت للخصيان هقلا
تحمل منهم شؤم البسوس فأما نوفل فالشأن فيه
وفي بدر ، فيالك من جليس وما للمعصمي شيء لديه إذا
ذكروا بذي سهم خسيس وما حسن الصغير أخس حا
لا لديه عند مخترق الكئوس لهم من عمره شطر وشط
ر يعاقر فيه شرب الخندريس وما للغانيات لديه حظ
سوى التقطيب بالوجه العبوس إذا كان الرئيس كذا سقيما
فكيف صلاحنا بعد الرئيس فلو علم المقيم بدار طوس
لعز على المقيم بدار طوس
سخر الله للأمين مطايا لم تسخر لصاحب المحراب
فإذا ما ركابه سرن برا سار في الماء راكبا ليث غاب
[ ص: 458 ] عجب الناس إذ رأوك على صورة ليث تمر مر السحاب
سبحوا إذ رأوك سرت عليه كيف لو أبصروك فوق العقاب
ذات زور ومنسر وجناحي ن تشق العباب بعد العباب
تسبق الطير في السماء إذا ما استعجلوها بجيئة وذهاب
قال الكوثر : أمر الأمين أن يفرش له على دكان في الخلد يوما ، ففرش عليها بساط زرعي ، ونمارق ، وفرش مثله ، وهيئ من آنية الذهب والفضة والجواهر أمر عظيم ، وأمر قيمة جواريه أن تهيئ له مائة جارية صانعة ، فتصعد إليه عشرا عشرا بأيديهن العيدان ، يغنين بصوت واحد ، فأصعدت إليه عشرا ، فاندفعن يغنين بصوت واحد :
هم قتلوه كي يكونوا مكانه كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار
كليب لعمري كان أكثر ناصرا وأيسر جرما منك ضرج بالدم
قيل : وذكر عند محمد الأمين الفضل بن سهل بخراسان ، فقال : كيف لا يستحل قتل محمد وشاعره يقول في مجلسه :
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
فبلغت القصة الأمين ، فحبس أبا نواس .
[ ص: 459 ] ولم نجد في سيرته ما يستحسن ذكره من حلم ، أو معدلة ، أو تجربة ، حتى نذكرها ، وهذا القدر كاف .