ذكر بطاهر وثوب الجند
وفي هذه السنة وثب الجند بطاهر بعد مقتل الأمين بخمسة أيام .
وكان سبب ذلك أنهم طلبو منه مالا ، فلم يكن معه شيء ، فثاروا به ، فضاق بهم الأمر ، وظن أن ذلك من مواطأة من الجند وأهل الأرباض ، وأنهم معهم عليه ، ولم يكن تحرك من أهل الأرباض أحد ، فخشي على نفسه ، فهرب ، ونهبوا بعض متاعه ، ومضى إلى عقرقوف .
وكان لما قتل الأمين أمر بحفظ الأبواب ، وحول وولديه زبيدة أم الأمين موسى وعبد الله معها ، وحملهم في حراقة إلى همينيا على الزاب الأعلى ، ثم أمر بحمل موسى وعبد الله إلى عمهما المأمون بخراسان .
فلما ثار به الجند نادوا " موسى يا منصور " ، وبقوا ذلك يومهم ومن الغد ، فصوب الناس إخراج طاهر ولدي الأمين .
ولما هرب طاهر إلى عقرقوف خرج معه جماعة من القواد ، وتعبأ لقتال الجند وأهل الأرباض ببغداذ ، فلما بلغ ذلك القواد المتخلفين عنه والأعيان من أهل المدينة خرجوا واعتذروا ، وأحالوا على السفهاء والأحداث ، وسألوه الصفح عنهم وقبول عذرهم .
فقال طاهر : ما خرجت عنكم إلا لوضع السيف فيكم ، وأقسم بالله العظيم - عز وجل - لئن عدتم لمثلها لأعودن إلى رأيي فيكم ، ولأخرجن إلى مكروهكم ! فكسرهم بذلك ، وأمر لهم برزق أربعة أشهر .
وخرج إليه جماعة من مشيخة أهل بغداذ ، وعميرة أبو شيخ بن عميرة الأسدي ، فحلفوا له أنه لم يتحرك من أهل بغداذ ولا من الأبناء أحد ، وضمنوا منه من وراءهم ، فسكن غضبه ، وعفا عنهم ، ووضعت الحرب أوزارها ، واستوسق الناس في المشرق [ ص: 460 ] والمغرب على طاعة ، والانقياد لخلافته . المأمون
( عميرة بفتح العين وكسر الميم ) .