[ ص: 129 ]   236 
ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين 
ذكر مقتل   محمد بن إبراهيم   
في هذه السنة قتل  محمد بن إبراهيم بن مصعب  أخو  إسحاق بن إبراهيم     . 
وكان سبب ذلك أن  إسحاق  أرسل ولده  محمد بن إسحاق بن إبراهيم  إلى باب الخليفة; ليكون نائبا عنه ببابه ، فلما مات  إسحاق  عقد  المعتز  لابنه  محمد بن إسحاق  على فارس ، وعقد له  المنتصر  على اليمامة  والبحرين    ( وطريق مكة    ) في المحرم من هذه السنة ، وضم إليه  المتوكل  أعمال أبيه كلها ، وحمل إلى  المتوكل  وأولاده من الجواهر التي كانت لأبيه ، والأشياء النفيسة كثيرا . 
وكان عمه   محمد بن إبراهيم  على فارس  ، فلما بلغه ما صنع  المتوكل  وأولاده بابن أخيه ساءه ذلك ، وتنكر للخليفة ولابن أخيه ، فشكا  محمد بن إسحاق  ذلك إلى  المتوكل  ، فأطلقه في عمه ليفعل به ما يشاء ، فعزله عن فارس  ، واستعمل مكانه ابن عمه  الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب  ، وأمره بقتل عمه   محمد بن إبراهيم     . 
فلما سار  الحسين  إلى فارس  أهدى إلى عمه يوم النيروز هدايا ، وفيها حلوى فأكل  محمد  منها ، وأدخله  الحسين  بيتا ، ووكل عليه ، فطلب الماء ليشرب ، فمنع منه ، فمات بعد يومين . 
 [ ص: 130 ] ذكر ما فعله  المتوكل  بمشهد   الحسين بن علي بن أبي طالب  عليه السلام  
في هذه السنة أمر  المتوكل  بهدم قبر  الحسين بن علي  ، عليه السلام ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يبذر ويسقى قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى [ عامل صاحب الشرطة ] بالناس في تلك الناحية : من وجدناه عند قبره ، بعد ثلاثة ، حبسناه في المطبق ! فهرب الناس ، وتركوا زيارته ، وحرث ، وزرع . 
وكان  المتوكل  شديد البغض   لعلي بن أبي طالب  ، عليه السلام ، ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى  عليا  وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه  عبادة المخنث  ، وكان يشد على بطنه ، تحت ثيابه ، مخدة ، ويكشف رأسه ، وهو أصلع ، ويرقص بين يدي  المتوكل  ، والمغنون يغنون : قد أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين ، يحكي بذلك  عليا  ، عليه السلام ، والمتوكل يشرب ، ويضحك ، ففعل ذلك يوما ،  والمنتصر  حاضر ، فأومأ إلى  عبادة  يتهدده ، فسكت خوفا منه ، فقال  المتوكل     : ما حالك ؟ فقام ، وأخبره ، فقال  المنتصر     : يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكاتب ، ويضحك منه الناس ، هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك ، وبه فخرك ، فكل أنت لحمه ، إذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه ! فقال  المتوكل  للمغنين : غنوا جميعا : 
غار الفتى لابن عمه رأس الفتى في حر أمه فكان هذا من الأسباب التي استحل بها  المنتصر  قتل  المتوكل     . 
وقيل : إن  المتوكل  كان يبغض من تقدمه من الخلفاء :   المأمون  ،  والمعتصم  ،  والواثق  في محبة  علي  وأهل بيته ، وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب ، والبغض  لعلي  ، منهم :  علي بن الجهم ، الشاعر الشامي  ، ومن بني شامة ابن لؤي  ،  وعمر بن فرج الرخجي  ،  وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة  ، من موالي بني أمية  ،  وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة     . 
 [ ص: 131 ] وكانوا يخوفونه من العلويين  ، ويشيرون عليه بإبعادهم ، والإعراض عنهم ، والإساءة إليهم ، ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان ، فغطت هذه السيئة جميع حسناته ، وكان من أحسن الناس سيرة ، ومنع الناس من القول بخلق القرآن إلى غير ذلك من المحاسن . 
ذكر عدة حوادث 
في هذه السنة استكتب  المتوكل  عبيد الله بن يحيى بن خاقان     . 
وفيها حج  المنتصر بالله  ، وحجت معه جدته أم المتوكل     . 
وفيها هلك  أبو سعيد محمد بن يوسف المروزي  فجأة ، وكان عقد له على أرمينية  ، وأذربيجان  ، فلبس أحد خفيه ، ومد الآخر ليلبسه ، فمات ، فولى  المتوكل  ابنه  يوسف  ما كان إلى أبيه ( من الحرب ) وولاه خراج الناحية ، فسار إليها وضبطها . 
وحج بالناس هذه السنة  المنتصر     . 
وفيها خرج  حبيب البربري  بالأندلس  بجبال الجزيرة  ، واجتمع إليه جمع كثير ، فأغاروا ، واستطالوا ، فسار إليهم جيش من  عبد الرحمن  ، فقاتلهم ، فهزمهم ، فتفرقوا . 
( وفيها غزا جيش بالأندلس  بلاد برشلونة  ، فقتلوا من أهلها ، فأكثروا ، وأسروا جما غفيرا ، وغنموا ، وعادوا سالمين ) . 
 [ ص: 132 ]   [ الوفيات ] 
وفيها توفي   هدبة بن خالد  ،  وشيبان الأبلي  ،  وإبراهيم بن محمد الشافعي     . 
وفيها توفي  مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ابن العوام أبو عبد الله المدني  ، وكان عمره ثمانين سنة ، وهو عم   الزبير بن بكار  ، وكان عالما فقيها ، إلا أنه كان منحرفا عن  علي  ، عليه السلام . 
وفيها أيضا توفي   منصور بن المهدي  ،  ومحمد بن إسحاق بن محمد المخزومي المسيبي البغدادي  ، وكان ثقة . 
وفيها توفي  جعفر بن حرب الهمذاني  أحد أئمة المعتزلة  البغداديين  ، وعمره تسع وخمسون سنة ، وأخذ الكلام عن  ابن أبي الهذيل العلاف البصري     . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					