ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائتين
في هذه السنة المتوكل ببناء الماخوزة ، وسماها أمر الجعفرية ، وأقطع القواد وأصحابه فيها ، وجد في بنائها ، وأنفق عليها فيما قيل : أكثر من ألفي ألف دينار ، وجمع فيها القراء ، فقرؤوا ، وحضرها أصحاب الملاهي ، فوهب أكثر من ألفي ألف درهم ، وكان يسميها هو وأصحابه المتوكلية ، وبنى فيها قصرا سماه لؤلؤة لم ير مثله في علوه ، وحفر لها نهرا يسقي ما حولها ، فقتل المتوكل ، فبطل حفر النهر ، وأخربت الجعفرية .
وفيها زلزلت بلاد المغرب ، فخربت الحصون ، والمنازل ، والقناطر ، ففرق المتوكل ثلاثة آلاف ألف درهم فيمن أصيب بمنزله .
وزلزل عسكر المهدي ، والمدائن ، وزلزلت أنطاكية ، فقتل بها خلق كثير ، فسقط منها ألف وخمس مائة دار ، وسقط من سورها نيف وتسعون برجا ، وسمعوا أصواتا هائلة لا يحسنون وصفها ، وتقطع جبلها الأقرع وسقط في البحر .
[ ص: 163 ] وهاج البحر ذلك اليوم ، وارتفع منه دخان أسود مظلم منتن ، وغار منها نهر على فرسخ لا يدرى أين ذهب ، وسمع أهل سيس ، فيما قيل : صيحة دائمة هائلة ، فمات منها خلق كثير ، فتزلزلت ديار الجزيرة ، والثغور ، وطرسوس ، وأدنة ، وزلزلت الشام ، فلم يسلم من اللاذقية إلا اليسير ، وهلك أهل جبلة .
وفيها غارت مشاش عين مكة ، فبلغ ثمن القربة درهما ، فبعث المتوكل مالا ، وأنفق عليها .
وفيها مات إسحاق بن أبي إسرائيل ، وهلال الرأي .
وفيها هلك نجاح بن سلمة ، وكان سبب هلاكه أنه كان على ديوان التوقيع ، وتتبع العمال ، وكان على الضياع ، فكان جميع العمال يتوقونه ، ويقضون حوائجه ، وكان المتوكل ربما نادمه ، وكان ، الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك قد انقطعا إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، وزير المتوكل ، وكان الحسن على ديوان الضياع ، وموسى [ ص: 164 ] على ديوان الخراج ، فكتب نجاح بن سلمة فيهما رقعة إلى المتوكل : أنهما خانا وقصرا ، وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف ، فقال له المتوكل : بكر غدا حتى أدفعهما إليك . فغدا وقد رتب أصحابه لأخذهما ، فلقيه عبيد الله بن يحيى الوزير ، فقال له : أنا أشير عليك بمصالحتهما ، وتكتب رقعة أنك كنت شاربا ، وتكلمت ناسيا ، وأنا أصلح بينكما ، وأصلح الحال عند أمير المؤمنين . ولم يزل يخدعه حتى كتب خطة بذلك .
فلما كتب خطه صرفه ، وأحضر الحسن وموسى ، وعرفهما الحال ، وأمرهما أن يكتبا في نجاح وأصحابه بألفي ألف دينار ، ففعلا ، وأخذ الرقعتين وأدخلهما على المتوكل ، وقال : قد رجع نجاح عما قال ، وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان بما كتبا ، فتأخذ ما ضمنا عليه ، ثم تعطف عليهما ، فتأخذ منهما قريبا منه .
فسر المتوكل بذلك ، وأمر بدفعه إليهما ، فأخذاه وأولاده ، فأقروا بنحو مائة وأربعين ألف دينار سوى الغلات ، والغرس ، والضياع ، وغير ذلك ، فقبض ذلك أجمع ، وضرب ، ثم عصرت خصيتاه حتى مات ، وأقر أولاده بعد الضرب بسبعين ألف دينار ، سوى ما لهما من ملك وغيره ، فأخذ الجميع وأخذ من وكلائه في جميع البلاد مالا جزيلا .
وفيها أغارت الروم على سميساط ، فقتلوا ، وسبوا ، ( وأسروا خلقا كثيرا ) ، وغزا علي بن يحيى الأرمني الصائفة .
ومنع أهل لؤلؤة رئيسهم من الصعود إليها ، فبعث إليهم ملك الروم بطريقا ، يضمن لكل رجل منهم ألف دينار على أن يسلموا إليه لؤلؤة ، فأصعدوا البطريق إليهم ، ثم أعطوا [ ص: 165 ] أرزاقهم الفائتة وما أرادوا ، فسلموا لؤلؤة والبطريق إلى بلكاجور ، فسيره إلى المتوكل ، فبذل ملك الروم في فدائه ألف مسلم .
وحج بالناس محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام يعرف بالزينبي ، وهو والي مكة .
وكان نيروز المتوكل الذي أرفق أهل الخراج بتأخيره إياه عنهم لإحدى عشرة خلت من شهر ربيع الأول ، ولسبع عشرة خلت من حزيران ، ولثمان وعشرين من أردبيهشت ، فقال : البحتري
إن يوم النيروز عاد إلى العهد الذي سنه أردشير
.