[ ص: 560 ] 295
ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائتين
ذكر وولاية ابنه إسماعيل بن أحمد الساماني أحمد وفاة
في هذه السنة ، منتصف صفر ، توفي أمير إسماعيل بن أحمد خراسان وما وراء النهر ، ببخارى ، وكان يلقب بعد موته بالماضي ، وولي بعده ابنه أبو نصر أحمد ، وأرسل إليه المكتفي عهده بالولاية ، وعقد لواءه بيده .
وكان إسماعيل عاقلا ، عادلا ، حسن السيرة في رعيته ، حليما ، حكي عنه أنه كان لولده أحمد مؤدب يؤدبه ، فمر به الأمير إسماعيل يوما ، والمؤدب لا يعلم به ، فسمعه وهو يسب ابنه ، ويقول له : لا بارك الله فيك ، ولا فيمن ولدك ! فدخل إليه ، وقال له : يا هذا ، نحن لم نذنب ذنبا لتسبنا ، فهل ترى أن تعفينا من سبك ، وتخص المذنب بشتمك وذمك ؟ فارتاع المؤدب ، فخرج إسماعيل عنه ، وأمر له بصلة جزاء لخوفه منه .
وقيل : جرى بين يديه ذكر الأنساب والأحساب فقال لبعض جلسائه : كن
[ ص: 561 ] عصاميا ولا تكن عظاميا ، فلم يفهم مراده ، فذكر له معنى ذلك .
وسأل يوما يحيى بن زكرياء النيسابوري فقال له : ما السبب في أن آل معاذ لما زالت دولتهم بقيت عليهم نعمتهم بخراسان ، مع سوء سيرتهم وظلمهم ، وأن آل طاهر لما زالت دولتهم عن خراسان زالت معها نعمتهم مع عدلهم ، وحسن سيرتهم ، ونظرهم لرعيتهم ؟ فقال له يحيى : السبب في ذلك أن آل معاذ لما تغير أمرهم كان الذي ولي البلاد بعدهم آل طاهر في عدلهم ، وإنصافهم ، واستعفافهم عن أموال الناس ، ورغبتهم في اصطناع أهل البيوتات ، فقدموا آل معاذ وأكرموهم ، وأن آل طاهر لما زالت عنهم كان سلطان بلادهم آل الصفار في ظلمهم ، وغشمهم ، ومعاداتهم لأهل البيوتات ومناصبتهم لأهل الشرف والنعم ، فأتوا عليهم وأزالوا نعمتهم .
فقال إسماعيل : لله درك يا يحيى ، فقد شفيت صدري ! وأمر له بصلة ،
ولما ولي بعد أخيه كان يكاتب أصحابه وأصدقاءه بما كان يكاتبهم أولا ، فقيل له في ذلك ، فقال : يجب علينا ، إذا زادنا الله رفعة ، أن لا ننقص إخواننا بل نزيدهم رفعة ، وعلا ، وجاها ، ليزيدوا لنا إخلاصا وشكرا .
ولما ولي بعده ابنه أبو نصر أحمد ، واستوثق أمره ، أراد الخروج إلى الري فأشار
[ ص: 562 ] عليه إبراهيم بن زيدويه بالخروج إلى سمرقند والقبض على عمه إسحاق بن أحمد لئلا يخرج عليه ويشغله ، ففعل ذلك ، واستدعى عمه إلى بخارى ، فحضر فاعتقله بها ، ثم عبر إلى خراسان ، فلما ورد نيسابور هرب بارس الكبير من جرجان إلى بغداذ ، خوفا منه .
وكان سبب خوفه أن الأمير إسماعيل كان قد استعمل ابنه أحمد على جرجان لما أخذها من محمد بن زيد ، ثم عزله عنها ، واستعمل عليها بارس الكبير ، على ما ذكرناه ، فاجتمع عند بارس أموال جمة من خراج الري ، وطبرستان ، وجرجان ، فبلغت ثمانين وقرا ، فحملها إلى إسماعيل ، فلما سارت عنه بلغه خبر موت إسماعيل ، فردها وأخذها ، فلما سار إليه أحمد خافه ، وكتب إلى المكتفي يستأذنه في المصير إليه ، فأذن له في ذلك ، فسار إليه في أربعة آلاف فارس ، فأرسل أحمد خلفه عسكرا ، فلم يدركوه ، واجتاز الري ، فتحصن بها نائب أحمد بن إسماعيل ، فسار ( إلى بغداذ ) ، فوصلها وقد مات المكتفي ، وولي المقتدر بعده ، ( فأعجبه المقتدر ) .
وكان وصوله بعد حادثة ابن المعتز ، فسيره المقتدر في عسكره إلى بني حمدان وولاه ديار ربيعة ، فخافه أصحاب الخليفة أن يتقدم عليهم ، فوضعوا عليه غلاما له فسمه فمات ، واستولى غلامه على ماله ، وتزوج امرأته ، وكان موته بالموصل .