ذكر الخراسانية مع ركن الدولة خبر الغزاة
في هذه السنة ، في رمضان ، خرج من خراسان جمع عظيم يبلغون عشرين ألفا إلى الري بنية الغزاة ، فبلغ خبرهم إلى ركن الدولة ، وكثرة جمعهم ، وما فعلوه في أطراف بلاده من الفساد ، وأن رؤساءهم لم يمنعوهم ( عن ذلك ) ، ( فأشار عليه الأستاذ ، وهو وزيره ، بمنعهم من دخول بلاده مجتمعين ، فقال : لا تتحدث الملوك أنني خفت جمعا من الغزاة ، فأشار عليه بتأخيرهم إلى أن يجمع عسكره ، وكانوا متفرقين في أعمالهم ، فلم يقبل منه ، فقال له : أخاف أن يكون لهم مع صاحب أبو الفضل بن العميد خراسان مواطأة على بلادك ودولتك ، فلم يلتفت إلى قوله .
فلما وردوا الري اجتمع رؤساؤهم ، وفيهم القفال الفقيه ، وحضروا مجلس ، وطلبوا مالا ينفقونه ، فوعدهم فاشتطوا في الطلب وقالوا : نريد خراج هذه البلاد جميعها ، فإنه لبيت المال ، وقد فعل ابن العميد الروم بالمسلمين ما بلغكم ، واستولوا على بلادكم ، وكذلك الأرمن ، ونحن غزاة ، وفقراء ، وأبناء سبيل ، فنحن أحق بالمال منكم ، وطلبوا جيشا يخرج معهم ، واشتطوا في الاقتراح ، فعلم حينئذ خبث سرائرهم ، وتيقن ما كان ظنه فيهم ، فرفق بهم وداراهم ، فعدلوا عنه إلى مشاتمة ابن العميد الديلم ، ولعنهم ، وتكفيرهم ، ثم قاموا عنه ، وشرعوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويسلبون العامة بحجة ذلك ، ثم إنهم أثاروا الفتنة ، وحاربوا جماعة من الديلم إلى أن حجز بينهم الليل ، ثم باكروا القتال ودخلوا المدينة ، ونهبوا دار الوزير وجرحوه ، وسلم من القتل . ابن العميد
وخرج ركن الدولة إليهم في أصحابه ، وكان في قلة ، فهزمه الخراسانية ، فلو تبعوه لأتوا عليه وملكوا البلد منه ، لكنهم عادوا عنه لأن الليل أدركهم ، فلما أصبحوا راسلهمركن الدولة ولطف بهم ، لعلهم يسيرون من بلده ، فلم يفعلوا ، وكانوا ينتظرون مددا يأتيهم [ ص: 263 ] من صاحب خراسان ، فإنهم كان بينهم مواعدة على تلك البلاد .
ثم إنهم اجتمعوا وقصدوا البلد ليملكوه ، فخرج ركن الدولة إليهم فقاتلهم ، وأمر نفرا من أصحابه أن يسيروا إلى مكان يراهم ، ثم يثيروا غبرة شديدة ، ويرسلوا إليه من يخبره أن الجيوش قد أتته ، ففعلوا ذلك .
وكان أصحابه قد خافوا لقلتهم ، وكثرة عدوهم ، فلما رأوا الغبرة وأتاهم من أخبرهم أن أصحابه لحقوهم قويت نفوسهم ، وقال لهم ركن الدولة : احملوا على هؤلاء لعلنا نظفر بهم قبل وصول أصحابنا ، فيكون الظفر والغنيمة لنا ، فكبروا ، وحملوا حملة صادقة ، فكان لهم الظفر ، وانهزم الخراسانية ، وقتل منهم خلق كثير ، وأسر أكثر ممن قتل ، وتفرق الباقون ، فطلبوا الأمان ، فأمنهم ركن الدولة .
وكان قد دخل البلد جماعة منهم يكبرون كأنهم يقاتلون الكفار ، ويقتلون كل من رأوه بزي الديلم ، ويقولون هؤلاء رافضة ، فبلغهم خبر انهزام أصحابهم ، وقصدهم الديلم ليقتلوهم ، فمنعهم ركن الدولة وأمنهم ، وفتح لهم الطريق ليعودوا ، ووصل بعدهم نحو ألفي رجل بالعدة والسلاح ، فقاتلهم ركن الدولة ، فهزمهم وقتل فيهم ، ثم أطلق الأسارى ، وأمر لهم بنفقات ، وردهم إلى بلادهم ، وكان إبراهيم بن المرزبان عند ركن الدولة ، فأثر فيهم آثارا حسنة .