[ ص: 527 ]   393 
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة 
ذكر ملك  يمين الدولة  سجستان   
في هذه السنة ملك  يمين الدولة محمود بن سبكتكين  سجستان  ، وانتزعها من يد  خلف بن أحمد     . 
قال  العتبي     : وكان سبب أخذها أن  يمين الدولة  لما رحل عن  خلف  بعد أن صالحه ، كما تقدم ذكره سنة تسعين [ وثلاثمائة ] ، عهد  خلف  إلى ولده  طاهر  ، وسلم إليه مملكته ، وانعكف هو على العبادة والعلم ، وكان عالما ، فاضلا ، محبا للعلماء ، وكان قصده أن يوهم  يمين الدولة  أنه ترك الملك وأقبل على طلب الآخرة ليقطع طمعه عن بلاده . 
فلما استقر  طاهر  في الملك عق أباه وأهمل أمره ، فلاطفه أبوه ورفق به ، ثم إنه تمارض في حصنه المذكور ، واستدعى ولده ليوصي إليه ، فحضر عنده غير محتاط ، ونسي إساءته ، فلما صار عنده قبض عليه وسجنه ، وبقي في السجن إلى أن مات فيه ، وأظهر عنه أنه قتل نفسه . 
ولما سمع عسكر  خلف  وصاحب جيشه بذلك تغيرت نياتهم في طاعته ، وكرهوه ، وامتنعوا عليه في مدينته ، ( وأظهروا طاعة  يمين الدولة  ، وخطبوا له ، وأرسلوا إليه يطلبون من يتسلم المدينة ) ، ففعل وملكها ، واحتوى عليها في هذه السنة ، وعزم على قصد  خلف  وأخذ ما بيده والاستراحة من مكره . فسار إليه ، وهو في حصن   [ ص: 528 ] الطاق  ، وله سبعة أسوار محكمة ، يحيط بها خندق عميق ، عريض ، لا يخاض إلا من طريق على جسر يرفع عند الخوف ، فنازله وضايقه فلم يصل إليه ، فأمر بطم الخندق ليمكن العبور إليه ، فقطعت الأخشاب وطم بها بالتراب في يوم واحد مكانا يعبرون فيه ويقاتلون منه . 
وزحف الناس ومعهم الفيول ، واشتدت الحرب ، وعظم الأمر ، وتقدم أعظم الفيول إلى باب السور فاقتلعه بنابيه وألقاه ، وملكه أصحاب  يمين الدولة  ، وتأخر أصحاب  خلف  إلى السور الثاني ، فلم يزل أصحاب  يمين الدولة  يدفعونهم عن سور سور ، فلما رأى  خلف  اشتداد الحرب ، وأن أسواره تملك عليه ، وأن أصحابه قد عجزوا ، وأن الفيلة تحطم الناس طار قلبه خوفا وفرقا ، فأرسل يطلب الأمان ، فأجابه  يمين الدولة  إلى ما طلب وكف عنه ، فلما حضر عنده أكرمه واحترمه ، وأمره بالمقام في أي البلاد شاء ، فاختار أرض الجوزجان  ، فسير إليها في هيئة حسنة ، فأقام بها نحو أربع سنين . 
ونقل إلى  يمين الدولة  عنه أنه يراسل  أيلك الخان  يغريه بقصد  يمين الدولة  ، فنقله إلى جردين  ، واحتاط عليه هناك ، إلى أن أدركه أجله في رجب سنة تسع وتسعين [ وثلاثمائة ] ، فسلم  يمين الدولة  جميع ما  خلفه  إلى ولده  أبي حفص     . وكان  خلف  مشهورا بطلب العلم وجمع العلماء ، وله كتاب صنفه في تفسير القرآن من أكبر الكتب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					