[ ص: 570 ]
ثم دخلت سنة إحدى وأربعمائة
ذكر يمين الدولة بلاد الغور وغيرها غزوة
بلاد الغور تجاور غزنة ، وكان الغور يقطعون الطريق ، ويخيفون السبيل ، وبلادهم جبال وعرة ، ومضايق غلقة ، وكانوا يحتمون بها ، ويعتصمون بصعوبة مسلكها ، فلما كثر ذلك منهم أنف يمين الدولة محمود بن سبكتكين أن يكون مثل أولئك المفسدين جيرانه ، وهم على هذه الحال من الفساد والكفر ، فجمع العساكر وسار إليهم وعلى مقدمته التونتاش الحاجب ، صاحب هراة ، وأرسلان الجاذب ، صاحب طوس ، وهما أكبر أمرائه ، فسارا فيمن معهما حتى انتهوا إلى مضيق قد شحن بالمقاتلة ، فتناوشوا الحرب ، وصبر الفريقان .
فسمع يمين الدولة الحال ، فجد بالسير إليهم ، وملك عليهم مسالكهم ، فتفرقوا ، وساروا إلى عظيم الغورية المعروف بابن سورى ، فانتهوا إلى مدينته التي تدعى آهنكران ، فبرز من المدينة في عشرة آلاف مقاتل ، فقاتلهم المسلمون إلى أن انتصف النهار ، فرأوا أشجع الناس وأقواهم على القتال ، فأمر يمين الدولة أن يولوهم الأدبار على سبيل الاستدراج ، ففعلوا . فلما رأى الغورية ذلك ظنوه هزيمة ، فاتبعوهم حتى أبعدوا عن مدينتهم ، فحينئذ عطف المسلمون عليهم ووضعوا السيوف فيهم فأبادوهم قتلا وأسرا ، وكان في الأسرى كبيرهم وزعيمهم ابن سورى ، ودخل [ ص: 571 ] المسلمون المدينة وملكوها ، وغنموا ما فيها ، وفتحوا تلك القلاع والحصون التي لهم جميعها ، فلما عاين ابن سورى ما فعل المسلمون بهم شرب سما كان معه ، فمات وخسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين .
وأظهر يمين الدولة في تلك الأعمال شعار الإسلام ، وجعل عندهم من يعلمهم شرائعه وعاد ، ثم سار إلى طائفة أخرى من الكفار ، فقطع عليهم مفازة من رمل ، ولحق عساكره عطش شديد وكادوا يهلكون ، فلطف الله ، سبحانه وتعالى ، بهم وأرسل عليهم مطرا سقاهم ، وسهل عليهم السير في الرمل ، فوصل إلى الكفار ، وهم جمع عظيم ، ومعهم ستمائة فيل ، فقاتلهم أشد قتال صبر فيه ، ( بعضهم لبعض ) ، ثم إن الله نصر المسلمين ، وهزم الكفار ، وأخذ غنائمهم ، وعاد سالما مظفرا منصورا .