[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم
1
ذكر ما كان من الأمور أول سنة من الهجرة
فمن ذلك تجميعه - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه الجمعة في اليوم الذي نزل فيه من قباء في بني سالم في بطن واد لهم ، وهي أول جمعة جمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام وخطبهم ، وهي أول خطبة .
وكان رجل من قباء يريد المدينة ، فركب ناقته وأرخى زمامها ، فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا : هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة .
فيقول : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم ، فبركت على باب مسجده ، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين في حجر ، وهما معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابنا عمرو من بني النجار ، فلما بركت لم ينزل عنها ، ثم وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع لها زمامها لا يثنيها به ، فالتفتت خلفها ثم رجعت إلى مبركها أول مرة ، فبركت فيه ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحتمل رحله ، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المربد ، فقال أبو أيوب الأنصاري : هو ليتيمين لي ، وسأرضيهما من ثمنه ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي يبنى مسجدا ، وأقام عند معاذ بن عفراء أبي أيوب حتى بني مسجده ومساكنه .
وقيل : إن موضع المسجد كان لبني النجار فيه نخل وحرث وقبور المشركين ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ثامنوني به . فقالوا : لا يبغى به إلا ما عند الله . فأمر به فبني مسجده ، وكان قبله يصلي حيث أدركته الصلاة ، وبناه هو والمهاجرون والأنصار ، وهو الصحيح .
[ ص: 6 ] وفيها بني مسجد قباء .
وفيها أيضا توفي . وتوفي بعده كلثوم بن الهدم ، وكان نقيب أسعد بن زرارة بني النجار ، فاجتمع بنو النجار وطلبوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم لهم نقيبا ، فقال لهم : أنتم إخواني وأنا نقيبكم ، فكان فضيلة لهم .
وفيها مات أبو أحيحة بالطائف ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي بمكة ، مشركين .
وفيها بعائشة بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر ، وقيل بسبعة أشهر في ذي القعدة ، وقيل : في شوال ، وكان تزوجها بنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة ، وهي ابنة ست سنين ، وقيل : ابنة سبع سنين . خديجة
وفيها هاجرت - صلى الله عليه وسلم - وبناته ما عدا سودة بنت زمعةزوج رسول الله زينب ، وهاجر أيضا عيال أبي بكر ومعهم ابنه عبد الله ، . وطلحة بن عبيد الله
وفيها زيد في صلاة الحضر ركعتان بعد مقدمه المدينة بشهر .
وفيها ولد عبد الله بن الزبير ، وقيل : في السنة الثانية في شوال ، وكان بالمدينة . أول مولود للمهاجرين
وكان أول مولود للأنصار بعد الهجرة ، وقيل : إن النعمان بن بشير المختار بن أبي عبيد ولدا فيها . وزياد بن أبيه
[ ص: 7 ] وفيها على رأس سبعة أشهر عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمه حمزة لواء أبيض في ثلاثين رجلا من المهاجرين ، ليعرضوا عير قريش ، فلقي أبا جهل في ثلاثمائة رجل ، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني ، وكان يحمل اللواء أبو مرثد ، وهو أول لواء عقده .
وفيها أيضا عقد لواء ، وكان أبيض يحمله لعبيدة بن الحارث بن المطلب ، فالتقى هو والمشركون ، فكان بينهم الرمي دون المسايفة ، وكان مسطح بن أثاثة أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وكان سعد بن أبي وقاص المقداد بن عمرو مسلمين وهما وعتبة بن غزوان بمكة ، فخرجا مع المشركين يتوصلان بذلك ، فلما لقيهم المسلمون انحازا إليهم . وقال بعضهم : كان لواء أبي عبيدة أول لواء عقده ، وإنما اشتبه ذلك لقرب بعضها ببعض ، وكان على المشركين ، وقيل : أبو سفيان بن حرب مكرز بن حفص بن الأخيف ، وقيل : . عكرمة بن أبي جهل
( والأخيف بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحتها ) .
وسيره إلى لسعد بن أبي وقاص الأبواء ، وكان يحمل اللواء وفيها عقد لواء ، وكان مسيره في ذي القعدة ، وجميع من معه من المقداد بن الأسود المهاجرين ، فلم يلق حربا .
جعل هذه السرايا جميعها في السنة الأولى من الهجرة ، وجعلها الواقدي في السنة الثانية ، فقال : على رأس اثني عشر شهرا من مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن إسحاق المدينة خرج غازيا ، واستخلف على المدينة ، فبلغ سعد بن عبادة ودان يريد قريشا وبني ضمرة من كنانة ، وهي غزاة الأبواء ، بينهما ستة أميال ، فوادعته فيها بنو ضمرة ، ورئيسهم مخشي بن عمرو ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا ، وذكر بعد [ ص: 8 ] هذه الغزوة غزوة ابن إسحاق ، ثم غزوة عبيدة بن الحارث . حمزة بن عبد المطلب
وفيها كان غزاة بواط ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائتين من أصحابه في شهر ربيع الآخر ، يعني سنة اثنتين ، يريد قريشا ، حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ، وكان في عير قريش أمية بن خلف الجمحي في مائة رجل ، ومعهم ألفان وخمسمائة بعير ، فرجع ولم يلق كيدا ، وكان يحمل لواء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واستخلف على سعد بن أبي وقاص المدينة . سعد بن معاذ
( بواط بفتح الباء الموحدة وبالطاء المهملة ) .
وفيها غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة العشيرة من ينبع في جمادى الأولى ، يريد قريشا حين ساروا إلى الشام ، فلما وصل العشيرة وادع بني مدلج وحلفاءهم من ضمرة ، ورجع ولم يلق كيدا ، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد ، وكان يحمل لواءه حمزة ، وفي هذه الغزوة كنى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا أبا تراب في قول بعضهم .
وفيها أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ واديا يقال له : سفوان ، من ناحية بدر ، وفاته كرز ، وكان لواؤه مع علي ، واستخلف على المدينة . زيد بن حارثة
وفيها بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ثمانية رهط ، فرجع [ ص: 9 ] ولم يلق كيدا . سعد بن أبي وقاص
وفيها جاء أبو قيس بن الأسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض عليه الإسلام ، فقال : ما أحسن ما تدعو إليه ! سأنظر في أمري ثم أعود . فلقيه عبد الله بن أبي المنافق فقال : كرهت قتال الخزرج . فقال أبو قيس : لا أسلم إلى سنة ، فمات في ذي القعدة .