[ ص: 578 ]   503 
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسمائة ذكر ملك الفرنج  طرابلس  وبيروت  من الشام   
في هذه السنة ، حادي عشر ذي الحجة ، ملك الفرنج  طرابلس    . 
وسبب ذلك : أن طرابلس  كانت قد صارت في حكم صاحب مصر  ونائبه فيها ، والمدد يأتي إليها منه ، وقد ذكرنا ذلك سنة إحدى وخمسمائة . 
فلما كانت هذه السنة ، أول شعبان ، وصل أسطول كبير من بلد الفرنج  في البحر ، ومقدمهم قمص كبير اسمه  ريمند بن صنجيل  ومراكبه مشحونة بالرجال ، والسلاح ، والميرة ، فنزل على طرابلس  ، وكان نازلا عليها قبله  السرداني ابن أخت صنجيل  ، وليس بابن أخت  ريمند  هذا ، بل هو قمص آخر ، فجرى بينهما فتنة أدت إلى الشر والقتال ، فوصل  طنكري  صاحب أنطاكية  إليها ، معونة  للسرداني  ، ووصل الملك  بغدوين  ، صاحب القدس  ، في عسكره ، فأصلح بينهم ، ونزل الفرنج  جميعهم على طرابلس  ، وشرعوا في قتالها ، ومضايقة أهلها ، من أول شعبان ، وألصقوا أبراجهم بسورها ، فلما رأى الجند وأهل البلد ذلك سقط في أيديهم ، وذلت نفوسهم ، وزادهم ضعفا تأخر الأسطول المصري عنهم بالميرة والنجدة . 
وكان سبب تأخره : أنه فرغ منه ، والحث عليه ، واختلفوا فيه أكثر من سنة وسار ، فردته الريح ، فتعذر عليهم الوصول إلى طرابلس  ليقضي الله أمرا كان مفعولا . 
ومد الفرنج  القتال عليها من الأبراج والزحف ، فهجموا على البلد وملكوه عنوة وقهرا يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة من السنة ، ونهبوا ما فيها ،   [ ص: 579 ] وأسروا الرجال ، وسبوا النساء والأطفال ، ونهبوا الأموال ، وغنموا من أهلها من الأموال ، والأمتعة ، وكتب دور العلم الموقوفة ، ما لا يحد ولا يحصى ، فإن أهلها كانوا من أكثر أهل البلاد أموالا وتجارة ، وسلم الوالي الذي كان بها وجماعة من جندها كانوا التمسوا الأمان قبل فتحها ، فوصلوا إلى دمشق  ، وعاقب الفرنج  بأنواع العقوبات ، وأخذت دفائنهم وذخائرهم في مكامنهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					