ذكر غياث الدين وشهاب الدين الغوريين ملك
لما قوي أمر عمهما علاء الدين الحسين بن الحسين استعمل العمال والأمراء [ ص: 191 ] على البلاد ، وكان ابنا أخيه ، وهما ، غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام ، فيمن استعمل على بلد من بلاد وشهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام الغور اسمه سنجة ، وكان غياث الدين يلقب حينئذ شمس الدين ، ويلقب الآخر شهاب الدين ، فلما استعملها أحسنا السيرة في عملهما وعدلا ، وبذلا الأموال فمال الناس إليهما ، وانتشر ذكرهما ، فسعى بهما من يحسدهما إلى عمهما علاء الدين ، وقال : إنهما يريدان الوثوب بك ، وقتلك ، والاستيلاء على الملك ; فأرسل عمهما يستدعيهما إليه ، فامتنعا وكانا قد بلغهما الخبر ، فلما امتنعا عليه جهز إليهما عسكرا مع قائد يسمى خروش الغوري ، فلما التقوا انهزم خروش ومن معه ، وأسر هو وأبقيا عليه ، وأحسنا إليه ، وخلعا عليه ، وأظهرا عصيان عمهما وقطعا خطبته ; فتوجه إليهما علاء الدين ، وساروا هما أيضا إليه ، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم علاء الدين وأخذ أسيرا وانهزم عسكره ، فنادى فيهم ابنا أخيه بالأمان فأحضر عمهما وأجلساه على التخت ، ووقفا في خدمته ، فبكى علاء الدين وقال : هذان صبيان قد فعلا ما لو قدرت عليه منهما لم أفعله ، ثم أحضر عمهما القاضي في الحال ، وزوج غياث الدين بنتا له ، وجعله ولي عهده ، وبقي كذلك إلى أن مات .
فلما توفي ملك غياث الدين بعده وخطب لنفسه في الغور وغزنة بالملك ، وبقي كذلك إلى أن ملك الغز غزنة بعد موت علاء الدين ، طمعوا فيها بموته ، وبقيت بأيديهم خمس عشرة سنة يصبون على أهلها العذاب ، ويتابعون الظلم كعادتهم [ في ] كل بلدة ملكوها ، ولو أنهم لما ملكوا أحسنوا السيرة في الرعايا لدام ملكهم ; فلم يزل الغز بغزنة هذه المدة ، وغياث الدين يقوي أمره ، ويحسن السيرة ، والناس يميلون إليه ويقصدونه .