[ ص: 357 ]   566 
ثم دخلت سنة ست وستين وخمسمائة 
ذكر وفاة   المستنجد بالله   
في هذه السنة ، تاسع ربيع الآخر ، توفي   المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن المقتفي لأمر الله أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله  ، وقد تقدم باقي النسب في غير موضع ، وأمه أم ولد ، اسمها طاوس  ، وقيل نرجس  ، رومية ، ومولده مستهل ربيع الآخر سنة عشر وخمسمائة ، وكانت خلافته إحدى عشرة سنة وشهرا وستة أيام ، وكان أسمر ، تام القامة ، طويل اللحية . 
وكان سبب موته أنه مرض واشتد مرضه ، وكان قد خافه  أستاذ الدار عضد الدين أبو الفرج بن رئيس الرؤساء  ،   وقطب الدين قايماز المقتفوي  ، وهو حينئذ أكبر أمير ببغداد  ، فلما اشتد مرض الخليفة اتفقا ، ووضعا الطبيب على أن يصف له ما يؤذيه ، فوصف له دخول الحمام ، فامتنع لضعفه ، ثم إنه دخل وأغلق عليه بابه فمات . 
وهكذا سمعته من غير واحد ممن يعلم الحال ، وقيل إن الخليفة كتب إلى وزيره مع طبيبه  ابن صفية  يأمره بالقبض على  أستاذ الدار  وقطب الدين  وصلبهما ، فاجتمع  ابن صفية  بأستاذ الدار  ، وأعطاه خط الخليفة ، فقال له : تعود وتقول إنني أوصلت الخط إلى الوزير ، ففعل ذلك ، وأحضر  أستاذ الدار  قطب الدين  ويزدن  وأخاه تنامش ، وعرض الخط عليهم ، فاتفقوا على قتل الخليفة ، فدخل إليه  يزدن  وقايماز الحميدي  ، فحملاه إلى الحمام وهو يستغيث وألقياه ، وأغلقا الباب عليه وهو يصيح إلى أن مات ، رحمه الله . 
وكان وزيره حينئذ   أبا جعفر بن البلدي  ، وبينه وبين  أستاذ الدار عضد الدين   [ ص: 358 ] عداوة مستحكمة ، لأن   المستنجد بالله  كان يأمره بأشياء تتعلق بهما فيفعلها ، فكانا يظنان أنه هو الذي يسعى بهما ، فلما مرض  المستنجد  وأرجف بموته ، ركب الوزير ومعه الأمراء والأجناد وغيرهم بالعدة ، فلم يتحقق عنده خبر موته ، فأرسل إليه  عضد الدين  يقول : إن أمير المؤمنين قد خف ما به من المرض ، وأقبلت العافية ، فخاف الوزير أن يدخل دار الخلافة بالجند ، فربما أنكر عليه ذلك ، فعاد إلى داره ، وتفرق الناس عنه ، وكان  عضد الدين  وقطب الدين  قد استعدا للهرب لما ركب الوزير خوفا منه إن دخل الدار أن يأخذهما ، فلما عاد أغلق  أستاذ الدار  أبواب الدار ، وأظهروا وفاة  المستنجد  ، وأحضر هو  وقطب الدين  ابنه  أبا محمد الحسن  ، وبايعاه بالخلافة ، ولقباه   المستضيء بأمر الله  ، وشرط عليه شروطا أن يكون  عضد الدين  وزيرا ، وابنه  كمال الدين أستاذ الدار  ،  وقطب الدين  أمير العسكر ، فأجابهم إلى ذلك . 
ولم يتول الخلافة من اسمه  الحسن  إلا   الحسن بن علي بن أبي طالب  ،  والمستضيء بأمر الله  ، واتفقا في الكنية والكرم ، فبايعه أهل بيته الخاصة يوم توفي أبوه ، وبايعه الناس من الغد في التاج بيعة عامة ، وأظهر من العدل أضعاف ما عمل أبوه ، وفرق أموالا جليلة المقدار . 
وعلم الوزير  ابن البلدي  ، فسقط في يده وقرع سنه ; ندما على ما فرط في عوده حيث لا ينفعه ، وأتاه من يستدعيه للجلوس للعزاء والبيعة  للمستضيء  ، فمضى إلى دار الخلافة ، فلما دخلها صرف إلى موضع وقتل وقطع قطعا ، وألقي في دجلة  ، رحمه الله ، وأخذ جميع ما في داره ، فرأيا فيها خطوط   المستنجد بالله  يأمره فيها بالقبض عليهما ، وخط الوزير قد راجعه في ذلك ، وصرفه عنه ، فلما وقفا عليهما عرفا براءته مما كانا يظنان فيه ، فندما حيث فرطا في قتله . 
وكان   المستنجد بالله  من أحسن الخلفاء سيرة مع الرعية ، عادلا فيهم ، كثير الرفق بهم ، وأطلق كثيرا من المكوس ، ولم يترك بالعراق  منها شيئا ، وكان شديدا على أهل العيث والفساد والسعاية بالناس . 
بلغني أنه قبض على إنسان كان يسعى بالناس ، فأطال حبسه ، فشفع فيه بعض   [ ص: 359 ] أصحابه المختصين بخدمته ، وبذل عنه عشرة آلاف دينار ، فقال : أنا أعطيك عشرة آلاف دينار وتحضر لي إنسانا آخر مثله لأكف شره عن الناس ، ولم يطلقه ، ورد كثيرا من الأموال على أصحابها ، وقبض على  القاضي ابن المرخم  ، وأخذ منه مالا كثيرا ، فأعاده على أصحابه أيضا ، وكان  ابن المرخم  ظالما جائرا في أحكامه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					