ذكر ملك  العادل  مدينة دمشق  من  الأفضل   
في هذه السنة ، في السابع والعشرين من رجب ، ملك   الملك العادل أبو بكر بن أيوب  مدينة دمشق  من ابن أخيه  الأفضل علي بن صلاح الدين     . 
وكان أبلغ الأسباب في ذلك وثوق  الأفضل  بالعادل  ، وأنه بلغ من وثوقه به أنه أدخله بلده وهو غائب عنه ، ولقد أرسل إليه أخوه  الظاهر غازي     - صاحب حلب    - يقول له : أخرج عمنا من بيننا فإنه لا يجيء علينا منه خير ، ونحن ندخل لك تحت كل ما تريد ، وأنا أعرف به منك ، وأقرب إليه ، فإنه عمي مثل ما هو عمك ، وأنا زوج ابنته ،   [ ص: 141 ] ولو علمت أنه يريد لنا خيرا لكنت أولى به منك . فقال له  الأفضل     : أنت سييء الظن في كل أحد ، أي مصلحة لعمنا في أن يؤذينا ؟ ونحن إذا اجتمعت كلمتنا ، وسيرنا معه العساكر من عندنا كلنا ، ملك من البلاد أكثر من بلادنا ، ونربح سوء الذكر . 
وهذا كان أبلغ الأسباب ، ولا يعلمها كل واحد ، وأما غير هذا فقد ذكرنا مسير  العادل  والأفضل  إلى مصر  وحصارهم بلبيس  ، وصلحهم مع   الملك العزيز بن صلاح الدين  ، ومقام  العادل  معه بمصر  ، فلما أقام عنده استماله ، وقرر معه أنه يخرج معه إلى دمشق  ويأخذها من أخيه ويسلمها إليه ، فسار معه من مصر  إلى دمشق  ، وحصروها ، واستمالوا أميرا من أمراء  الأفضل  يقال له  العز [ بن ] أبي غالب الحمصي  ، وكان  الأفضل  كثير الإحسان إليه ، والاعتماد عليه ، والوثوق به ، فسلم إليه بابا من أبواب دمشق  يعرف بالباب الشرقي ليحفظه ، فمال إلى  العزيز  والعادل  ، ووعدهما أنه يفتح لهما الباب ، ويدخل العسكر منه البلد غيلة ، ففتحه اليوم السابع والعشرين من رجب ، وقت العصر ، وأدخل  الملك العادل  منه ومعه جماعة من أصحابه ، فلم يشعر  الأفضل  إلا وعمه معه في دمشق  ، وركب  الملك العزيز  ، ووقف بالميدان الأخضر غربي دمشق    . 
فلما رأى  الأفضل  أن البلد قد ملك ، خرج إلى أخيه ، وقت المغرب ، واجتمع به ، ودخلا كلاهما البلد ، واجتمعا  بالعادل  وقد نزل في دار أسد الدين شيركوه  ، وتحادثوا ، فاتفق  العادل  والعزيز  على أن أوهما  الأفضل  أنهما يبقيان عليه البلد خوفا أنه ربما جمع من عنده من العسكر وسار بهما ، ومعه العامة ، فأخرجهم من البلد ، لأن  العادل  لم يكن في كثرة ، وعاد  الأفضل  إلى القلعة وبات  العادل  في دار  شيركوه  ، وخرج  العزيز  إلى الخيم فبات فيها ، وخرج  العادل  من الغد إلى  جوسقه  فأقام به ، وعساكره في البلد في كل يوم يخرج  الأفضل  إليهما ، ويجتمع بهما ، فبقوا كذلك أياما ، ثم أرسلا إليه وأمراه بمفارقة القلعة وتسليم البلد على قاعدة ، أن تعطى قلعة صرخد له ، ويسلم جميع أعمال دمشق  ، فخرج  الأفضل  ، ونزل في جوسق  بظاهر البلد ، غربي دمشق  ، وتسلم  العزيز  القلعة ، ودخلها ، وأقام بها أياما ، فجلس يوما في مجلس شرابه ، فلما أخذت منه الخمر وجرى على لسانه أنه يعيد البلد إلى  الأفضل  ، فنقل ذلك إلى  العادل  في وقته ، فحضر المجلس في ساعته ،  والعزيز  سكران ، فلم يزل به حتى سلم البلد إليه ، وخرج   [ ص: 142 ] منه ، وعاد إلى مصر  ، وسار  الأفضل  إلى صرخد    . 
وكان  العادل  يذكر أن  الأفضل  سعى في قتله ; فلهذا أخذ البلد منه ، وكان  الأفضل  ينكر ذلك ويتبرأ منه ( فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون    ) 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					