[ ص: 329 ]   616 
ثم دخلت سنة ست عشرة وستمائة 
ذكر وفاة   كيكاوس  وملك  كيقباذ  أخيه  
في هذه السنة توفي   الملك الغالب عز الدين كيكاوس بن كيخسرو بن قلج أرسلان  ، صاحب قونية  ، وأقصرا وملطية  وما بينهما من بلد الروم ، وكان قد جمع عساكره ، وحشد ، وسار إلى ملطية  على قصد بلاد الملك  الأشرف  لقاعدة استقرت بينه وبين  ناصر الدين  ، صاحب آمد  ،  ومظفر الدين  ، صاحب إربل  ، وكانوا قد خطبوا له ، وضربوا اسمه على السكة في بلادهم ، واتفقوا على   الملك الأشرف  وبدر الدين  بالموصل    . 
فسار   كيكاوس  إلى ملطية  ليمنع   الملك الأشرف  بها عن المسير إلى الموصل  نجدة لصاحبها  بدر الدين  ، لعل  مظفر الدين  يبلغ من الموصل  غرضا ، وكان قد علق به السل ، فلما اشتد مرضه عاد عنها ، فتوفي وملك بعده أخوه  كيقباذ  ، وكان محبوسا ، قد حبسه أخوه   كيكاوس  لما أخذ البلاد منه ، وأشار عليه بعض أصحابه بقتله ، فلم يفعل ، فلما توفي لم يخلف ولدا يصلح للملك لصغرهم ، فأخرج الجند  كيقباذ  وملكوه . ومن ( بغي عليه لينصرنه الله ) . 
وقيل بل أرسل   كيكاوس  لما اشتد مرضه ، فأحضره عنده من السجن ، ووصى له بالملك ، وحلف الناس له ، فلما ملك خالفه عمه صاحبأرزن الروم  ، وخاف أيضا من الروم المجاورين لبلاده ، فأرسل إلى   الملك الأشرف  وصالحه ، وتعاهدا على المصافاة والتعاضد ، وتصاهرا ، وكفي  الأشرف  شر تلك الجهة ، وتفرغ باله لإصلاح ما بين   [ ص: 330 ] يديه ، ولقد صدق القائل : لا جد إلا ما أقعص عنك الرجال ، وكأنه بقوله أراد : وجدك طعان بغير سنان . 
وهذا ثمرة حسن النية ، فإنه حسن النية لرعيته وأصحابه ، كاف عن أذى يتطرق إليهم منه ، غير قاصد إلى البلاد المجاورة لبلاده بأذى وملك مع ضعف أصحابها وقوته ، لا جرم تأتيه البلاد صفوا عفوا . 
ذكر موت صاحب سنجار  وملك ابنه ثم قتل ابنه وملك أخيه  
وفي هذه السنة ، ثامن صفر ، توفي  قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود بن زنكي  ، صاحب سنجار  ، وكان كريما ، حسن السيرة في رعيته ، حسن المعاملة مع التجار ، كثير الإحسان إليهم ، وأما أصحابه فكانوا معه في أرغد عيش يعمهم بإحسانه ، ولا يخافون أذاه ، وكان عاجزا عن حفظ بلده ، مسلما الأمور إلى نوابه . 
ولما توفي ملك بعده ابنه  عماد الدين شاهنشاه  ، وركب الناس معه ، وبقي مالكا لسنجار  عدة شهور ، وسار إلى تل أعفر  وهي له ، فدخل عليه أخوه  عمر بن محمد بن زنكي  ، ومعه جماعة ، فقتلوه ، وملك أخوه  عمر  بعده فبقي كذلك إلى أن سلم سنجار  إلى   الملك الأشرف  ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى ، ولم يمتع بملكه الذي قطع رحمه ، وأراق الدم الحرام لأجله . 
ولما سلم سنجار  أخذ عوضها الرقة ، ثم أخذت منه عن قريب ، وتوفي بعد أخذها منه بقليل . وعدم روحه وشبابه . وهذه عاقبة قطيعة الرحم . فإن صلتها تزيد في العمر وقطيعتها تهدم العمر . 
ذكر إجلاء بني معروف عن البطائح وقتلهم 
في هذه السنة ، في ذي القعدة ، أمر الخليفة الناصر لدين الله الشريف معدا متولي بلاد واسط ، أن يسير إلى قتال بني معروف  ، فتجهز ، وجمع معه من الرجالة من تكريت  ، وهيت  ، والحديثة  ، والأنبار  ، والحلة  ، والكوفة  ، وواسط    : والبصرة ، وغيرها ،   [ ص: 331 ] خلقا كثيرا ، وسار إليهم ، ومقدمهم حينئذ  معلى بن معروف  ، وهم قوم من ربيعة    . 
وكانت بيوتهم غربي الفرات  تحت سوراء ، وما يتصل بذلك من البطائح ، وكثر فسادهم وأذاهم لما يقاربهم من القرى ، وقطعوا الطريق ، وأفسدوا في النواحي المقاربة لبطيحة العراق  ، فشكا أهل تلك البلاد إلى الديوان منهم ، فأمر معدا أن يسير إليهم في الجموع ، فسار إليهم ، فاستعد بنو معروف  لقتاله ، فاقتتلوا بموضع يعرف بالمقبر ، وهو تل كبير بالبطيحة بقرب العراق  ، وكثر القتل بينهم ، ثم انهزم بنو معروف ، وكثر القتل فيهم والأسر والغرق وأخذت أموالهم ، وحملت رءوس كثيرة من القتلى إلى بغداد  في ذي الحجة من السنة . 
ذكر عدة حوادث 
في هذه السنة ، في المحرم ، انهزم  عماد الدين زنكي  من عسكر  بدر الدين     . 
وفيها ، في العشرين من رجب ، انهزم  بدر الدين  من  مظفر الدين  ، صاحب إربل  ، وعاد  مظفر الدين  إلى بلده ، وقد تقدم ذلك مستوفى في سنة خمس عشرة وستمائة . 
وفيها ، ثامن صفر ، توفي  قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود بن زنكي  ، صاحب سنجار  ، وملك بعده ابنه  شاهنشاه     . 
وفيها ، في التاسع والعشرين من شعبان ، ملك الفرنج مدينة دمياط  ، وقد ذكر سنة أربع عشرة وستمائة مشروحا . 
  [ الوفيات    ] 
وفيها توفي  افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمي العباسي ، الفقيه الحنفي  ، رئيس الحنفية بحلب  ، روى الحديث عن  عمر البسطامي  نزيل بلخ  ، وعن  أبي   [ ص: 332 ] سعد السمعاني  وغيرهما . 
وفيها توفي   أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري ، الضرير ، النحوي  وغيره . 
وفيها توفي  أبو الحسن علي بن أبي محمد القاسم بن علي بن الحسن بن عبد الله الدمشقي  ، الحافظ ابن الحافظ ، المعروف بابن عساكر  ، وكان قد قصد خراسان  وسمع بها الحديث فأكثر ، وعاد إلى بغداد  ، فوقع على القفل حرامية ، فجرح ، وبقي ببغداد  ، وتوفي في جمادى الأولى ، رحمه الله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					