ذكر أليس وهو على الفرات وقعة
لما أصاب خالد يوم الولجة ما أصاب من نصارى بكر بن وائل الذين أعانوا الفرس - غضب لهم نصارى قومهم ، فكاتبوا الفرس ، واجتمعوا على أليس وعليهم عبد الأسود العجلي ، وكان مسلمو بني عجل ، منهم : عتبة بن النهاس ، وسعيد بن مرة ، وفرات بن حيان ، ومذعور بن عدي ، والمثنى بن لاحق - أشد الناس على أولئك النصارى . وكتب أردشير إلى بهمن جاذويه ، وهو بقشيناثا ، يأمره بالقدوم على نصارى العرب بأليس ، فقدم بهمن جاذويه جابان إليهم ، وأمره بالتوقف عن المحاربة إلى أن يقدم عليه ، ورجع بهمن جاذويه إلى أردشير ليشاوره فيما يفعل ، فوجده مريضا ، فتوقف عليه ، فاجتمع على جابان نصارى عجل ، وتيم اللات وضبيعة وجابر بن بجير وعرب الضاحية من أهل الحيرة .
وكان خالد لما بلغه تجمع نصارى بكر وغيرهم سار إليهم ولا يشعر بدنو جابان . فلما طلع جابان بأليس قالت العجم له : أنعاجلهم أم نغدي الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم ، ثم نقاتلهم ؟ فقال جابان : إن تركوكم فتهاونوا بهم . فعصوه وبسطوا الطعام ، وانتهى خالد إليهم وحط الأثقال ، فلما وضعت توجه إليهم ، وطلب مبارزة عبد الأسود وابن أبجر ومالك بن قيس ، فبرز إليه مالك من بينهم ، فقتله خالد وأعجل الأعاجم عن طعامهم . فقال لهم جابان : ألم أقل لكم ، والله ما دخلتني من مقدم جيش وحشة إلا هذا ؟ وقال لهم : حيث لم تقدروا على الأكل فسموا الطعام ، فإن ظفرتم فأيسر هالك ، وإن [ ص: 238 ] كانت لهم هلكوا بأكله . فلم يفعلوا ، واقتتلوا قتالا شديدا ، والمشركون يزيدهم ثبوتا توقعهم قدوم بهمن جاذويه ، فصابروا المسلمين ، فقال خالد : : اللهم إن هزمتهم فعلي أن لا أستبقي منهم من أقدر عليه حتى أجري من دمائهم نهرهم .
فانهزمت فارس فنادى منادي خالد : الأسراء الأسراء إلا من امتنع فاقتلوه . فأقبل بهم المسلمون أسراء ، ووكل بهم من يضرب أعناقهم يوما وليلة . فقال له القعقاع وغيره : لو قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم ، فأرسل عليها الماء تبر يمينك ، ففعل ، وسمي نهر الدم ، ووقف خالد على الطعام وقال للمسلمين : قد نفلتكموه ، فتعشى به المسلمون ، وجعل من لم ير الرقاق يقول : ما هذه الرقاع البيض ؟ !
وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا ، وكانت الوقعة في صفر .