ذكر عدة حوادث 
قيل : في هذه السنة استعمل  الوليد   خالد بن عبد الله القسري  على مكة   ، فلم يزل واليا عليها حتى مات  الوليد  ، وكان قد تقدم سنة تسع وثمانين ذكره أيضا ، فلما ولي مكة  خطبهم وعظم أمر الخلافة وحثهم على الطاعة ، فقال : لو أني أعلم أن هذه الوحش التي تأمن في الحرم لو نطقت لم تقر بالطاعة لأخرجتها منه ، فعليكم بالطاعة ولزوم الجماعة ،   [ ص: 33 ] فإني والله لا أوتى بأحد يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم ، إني لا أرى فيما كتب به الخليفة أو رآه إلا إمضاءه . واشتد عليهم . 
وحج بالناس في هذه السنة   الوليد بن عبد الملك  ، فلما دخل المدينة  غدا إلى المسجد ينظر إلى بنائه ، وأخرج الناس منه ، ولم يبق غير   سعيد بن المسيب  لم يجرؤ أحد من الحرس أن يخرجه ، فقيل له : لو قمت . قال : لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه . فقيل : لو سلمت على أمير المؤمنين . قال : والله لا أقوم إليه . قال   عمر بن عبد العزيز     : فجعلت أعدل  بالوليد  في ناحية المسجد لئلا يراه ، فالتفت  الوليد     [ إلى ] القبلة فقال : من ذلك الشيخ ؟ أهو  سعيد  ؟ قال  عمر     : نعم ، ومن حاله كذا وكذا ، فلو علم بمكانك; لقام فسلم عليك ، وهو ضعيف البصر . قال  الوليد     : قد علمت حاله ونحن نأتيه . فدار في المسجد حتى أتاه فقال : كيف أنت أيها الشيخ ؟ فوالله ما تحرك  سعيد  بل قال : بخير والحمد لله ، فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله ؟ فانصرف وهو يقول  لعمر     : هذا بقية الناس ! 
وقسم بالمدينة  دقيقا كثيرا وآنية من ذهب وفضة وأموالا ، وصلى بالمدينة  الجمعة فخطب الخطبة الأولى جالسا ، ثم قام فخطب الخطبة الثانية قائما . قال  إسحاق بن يحيى     : فقلت   لرجاء بن حيوة  وهو معه : أهكذا تصنعون ؟ قال : نعم ، مكررا ، وهكذا صنع  معاوية  وهلم جرا . قال : فقلت له : هلا تكلمه ؟ قال : أخبرني   قبيصة بن ذؤيب  أنه كلم  عبد الملك  ولم يترك القعود ، وقال : هكذا خطب  عثمان     . قال فقلت : والله ما خطب إلا قائما . قال  رجاء     : روي لهم شيء فاقتدوا به . قال  إسحاق     : ولم نر منهم أشد تجبرا منه . 
وكان العمال على البلاد من تقدم ذكرهم غير مكة  ، فإن  خالدا  كان عاملها ، وقيل : إن عاملها هذه السنة كان   عمر بن عبد العزيز بن مروان     . 
 [ ص: 34 ] وفي هذه السنة غزا  عبد العزيز بن الوليد  الصائفة ، وكان على ذلك الجيش   مسلمة بن عبد الملك     . 
وفيها عزل الوليد عمه  محمد بن مروان  عن الجزيرة  وأرمينية  ، واستعمل عليها أخاه   مسلمة بن عبد الملك  ، فغزا  مسلمة  الترك  من ناحية أذربيجان  حتى بلغ الباب ، وفتح مدائن وحصونا ، ونصب عليها المجانيق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					