ثم دخلت سنة ثلاث وأربعمائة
ذكر قابوس قتل
في هذه السنة قتل شمس المعالي قابوس بن وشمكير .
وكان سبب قتله أنه كان مع كثرة فضائله ومناقبه ، عظيم السياسة ، شديد الأخذ ، قليل العفو ، يقتل على الذنب اليسير ، فضجر أصحابه منه ، واستطالوا أيامه ، واتفقوا على خلعه والقبض عليه .
وكان حينئذ غائبا عن جرجان ، فخفي عليه الأمر ، فلم يشعر ذات ليلة إلا وقد أحاط العسكر بباب القلعة التي كان بها ، وانتهبوا أمواله ، ودوابه ، وأرادوا استنزاله من الحصن ، فقاتلهم هو ومن معه من خواصه وأصحابه ، فعادوا ولم يظفروا به ، ودخلوا جرجان واستولوا عليها ، وعصوا عليه بها ، وبعثوا إلى ابنه منوجهر ، وهو بطبرستان ، يعرفونه الحال ، ويستدعونه ليولوه أمرهم ، فأسرع السير نحوهم خوفا من خروج الأمر عنه ، فالتقوا واتفقوا على طاعته إن هو خلع أباه ، فأجابهم إلى ذلك على كره .
وكان أبوه شمس المعالي قد سار نحو بسطام عند حدوث هذه الفتنة لينظر فيما تسفر عنه ، فأخذوا منوجهر معهم ، عازمين على قصد والده وإزعاجه من مكانه ، فسار معهم مضطرا ، فلما وصل إلى أبيه أذن له وحده دون غيره ، فدخل عليه وعنده جمع من أصحابه المحامين عنه ، فلما دخل عليه تشاكيا ما هما فيه ، وعرض عليه منوجهر [ ص: 588 ] أن يكون بين يديه في قتال أولئك القوم ودفعهم وإن ذهبت نفسه . فرأى شمس المعالي ضد ذلك ، وسهل عليه حيث صار الملك إلى ولده ، فسلم إليه خاتم الملك ، ووصاه بما يفعله ، واتفقا على أن ينتقل هو إلى قلعة جناشك يتفرغ للعبادة إلى أن يأتيه اليقين وينفرد منوجهر بتدبير الملك .
وسار إلى القلعة المذكورة مع من اختاره لخدمته ، وسار منوجهر إلى جرجان ، وتولى الملك وضبطه ، ودارى أولئك الأجناد ، وهم نافرون خائفون من شمس المعالي ما دام حيا ، فما زالوا يحتالون ويجيلون الرأي حتى دخلوا إلى منوجهر وخوفوه من أبيه مثل ما جرى لهلال بن بدر مع أبيه ، وقالوا له : مهما [ كان ] والدك في الحياة لا نأمن نحن ولا أنت واستأذنوه في قتله ، فلم يرد عليهم جوابا ، فمضوا إليه إلى الدار التي هو فيها ، وقد دخل إلى الطهارة متخففا ، فأخذوا ما عنده من كسوة ، وكان الزمان شتاءا ، وكان يستغيث : أعطوني ولو جل دابة فلم يفعلوا ، فمات من شدة البرد وجلس ولده للعزاء ، ولقب القادر بالله منوجهر فلك المعالي .
ثم إن منوجهر راسل يمين الدولة ، ودخل في طاعته ، وخطب له على منابر بلاده ، وخطب إليه أن يزوجه بعض بناته ، ففعل ، فقوي جنانه ، وشرع في التدبير على أولئك الذين قتلوا أباه ، فأبادهم بالقتل والتشريد .
وكان قابوس عزيز الأدب ، وافر العلم ، له رسائل وشعر حسن ، وكان عالما بالنجوم وغيرها من العلوم ، فمن شعره :
قل للذي ، بصروف الدهر عيرنا هل عاند الدهر إلا من له خطر أما ترى البحر يطفو فوقه جيف
وتستقر بأقصى قعره الدرر
فإن تكن نشبت أيدي الخطوب بنا
ومسنا من توالي صرفها ضرر
[ ص: 589 ] ففي السماء نجوم ( لا عداد لها )
وليس يكسف إلا الشمس والقمر